فالبدو على هذا القول معناه قصد هذا الموضع الذي يقال له بدا يقال بدا القوم يبدون بدوا إذا أتوا بدا كما يقال : غار القوم غوراً إذا أتوا الغور فكان معنى الآية وجاء بكم من قصد بدا، وعلى هذا القول كان يعقوب وولده حضريين لأن البدو لم يرد به البادية لكن عنى به قصد بدا إلى ههنا كلام قاله الواحدي في "البسيط".
المسألة الثانية :
تمسك أصحابنا بهذه الآية على أن فعل العبد خلق الله تعالى، لأن خروج العبد من السجن أضافه إلى نفسه بقوله :﴿إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السجن﴾ ومجيئهم من البدو وأضافه إلى نفسه سبحانه بقوله :﴿وَجَاء بِكُمْ مّنَ البدو﴾ وهذا صريح في أن فعل العبد بعينه فعل الله تعالى وحمل هذا على أن المراد أن ذلك إنما حصل بإقدار الله تعالى وتيسيره عدول عن الظاهر.
ثم قال :﴿مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشيطان بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى﴾ قال صاحب "الكشاف" :﴿نَّزغَ﴾ أفسد بيننا وأغوى وأصله من نزغ الراكض الدابة وحملها على الجري : يقال : نزغه ونسغه إذا نخسه.
واعلم أن الجبائي والكعبي والقاضي : احتجوا بهذه الآية على بطلان الجبر قالوا : لأنه تعالى أخبر عن يوسف عليه السلام أنه أضاف الإحسان إلى الله وأضاف النزغ إلى الشيطان، ولو كان ذلك أيضاً من الرحمن لوجب أن لا ينسب إلا إليه كما في النعم.
والجواب : أن إضافته هذا الفعل إلى الشيطان مجاز، لأن عندكم الشيطان لا يتمكن من الكلام الخفي وقد أخبر الله عنه فقال :﴿وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِى﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ] فثبت أن ظاهر القرآن يقتضي إضافة هذا الفعل إلى الشيطان مع أنه ليس كذلك.