وذكر بعض المفسرين أنه لما استخرج الصواع من رحل أخيه، نقر الصواع، ثم أدناه من أذنه، فقال : إِنَّ صواعي هذا يخبرني أنكم كنتم اثنى عشر رجلاً، وأنكم انطلقتم بأخ لكم فبعتموه، فقال بنيامين : أيها الملك، سل صواعك عن أخي، أحيّ هو؟ فنقره، ثم قال : هو حي وسوف تراه، فقال : سل صواعك، من جعله في رحلي؟ فنقره، وقال : إِنَّ صواعي هذا غضبان، وهو يقول : كيف تسألني عن صاحبي وقد رأيت مع من كنت؟ فغضب روبيل، وكان بنو يعقوب إِذا غضبوا لم يطاقوا، فإِذا مسَّ أحدهم الآخر ذهب غضبه، فقال : والله أيها الملك لتتركنَّا، أو لأصيحنَّ صيحةً لا يبقى بمصر امرأة حامل إِلا أَلقتْ ما في بطنها، فقال يوسف لابنه : قم إِلى جنب روبيل فامسسه، ففعل الغلام، فذهب غضبه، فقال روبيل : ما هذا؟! إِن في هذا البلد من ذرية يعقوب؟ قال يوسف : ومَن يعقوب؟ فقال : أيها الملك، لا تذكر يعقوب، فانه إِسرائيل الله بن ذبيح الله بن خليل.
الله فلمَّا لم يجدوا إِلى خلاص أخيهم سبيلاً، سألوه أن يأخذ منهم بديلاً به، فذلك قوله :﴿ يا أيها العزيز إِنَّ له أباً شيخاً كبيراً ﴾ أي : في سِنِّه، وقيل : في قَدره، ﴿ فخذ أحدنا مكانَه ﴾ أي : تستعبده بدلاً عنه ﴿ إِنَّا نراك من المحسنين ﴾ فيه قولان :
أحدهما : فيما مضى.
والثاني : إِن فعلت.
﴿ قال معاذَ الله ﴾ قد سبق تفسيره [ يوسف : ٣٣ ]، والمعنى : أعوذ بالله أن نأخذ بريئاً بسقيم.
قوله تعالى :﴿ فلما استيأسوا منه ﴾ أي : أيسوا.
وفي هاء "منه" قولان.
أحدهما : أنها ترجع إِلى يوسف، فالمعنى : يئسوا من يوسف أن يخلّي سبيل أخيهم.
والثاني : إِلى أخيهم، فالمعنى : يئسوا من أخيهم.
قوله تعالى :﴿ خلصوا نجياً ﴾ أي : اعتزلوا الناس ليس معهم غيرهم، يتناجَون ويتناظرون ويتشاورون، يقال : قوم نجي، والجمع أنجية، قال الشاعر :
إِني إِذا ما القومُ كانوا أَنْجِيَهْ...


الصفحة التالية
Icon