وقد روي عن الحسن أن أخاه مات، فجزع الحسن جزعاً شديداً، فعوتب في ذلك، فقال : ما وجدت الله عاب على يعقوب الحزن حيث قال :"يا أسفى على يوسف".
قوله تعالى :﴿ وابيضت عيناه من الحزن ﴾ أي : انقلبت إِلى حال البياض.
وهل ذهب بصره، أم لا؟ فيه قولان :
أحدهما : أنه ذهب بصره، قاله مجاهد.
والثاني : ضعف بصره لبياضٍ تغشّاه من كثرة البكاء، ذكره الماوردي.
وقال مقاتل : لم يُبصر بعينيه ست سنين.
قال ابن عباس : وقوله :"من الحزن" أي : من البكاء، يريد أن عينيه ابيضتا لكثرة بكائه، فلما كان الحزن سبباً للبكاء، سمي البكاء حزناً.
وقال ثابت البُناني : دخل جبريل على يوسف، فقال : أيها الملَك الكريم على ربه، هل لك علِم بيعقوب؟ قال : نعم.
قال : ما فعل، قال : ابيضت عيناه، قال : ما بلغ حزنه؟ قال : حزن سبعين ثكلى، قال : فهل له على ذلك من أجر؟ قال : أجر مائة شهيد.
وقال الحسن البصري : ما فارق يعقوبَ الحزنُ ثمانين سنة، وما جفَّت عينه، وما أحد يومئذ أكرم على الله منه حين ذهب بصره.
قوله تعالى :﴿ فهو كظيم ﴾ الكظيم بمعنى الكاظم، وهو الممسك على حزنه فلا يظهره، قاله ابن قتيبة : وقد شرحنا هذا عند قوله :﴿ والكاظمين الغيظ ﴾ [ آل عمران : ١٣٤ ].
قوله تعالى :﴿ قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ﴾ قال ابن الأنباري : معناه : والله، وجواب هذا القسم "لا" المضمرة التي تأويلها : تالله لا تفتأ، فلما كان موضعها معلوماً خفف الكلام بسقوطها من ظاهره، كما تقول العرب : والله أقصدك أبداً، يعنون : لا أقصدك، قال امرؤ القيس :
فَقُلْتُ يَمِينُ اللهِ أَبْرَحُ قَاعِدَاً...
وَلَوْ قطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالي
يريد : لا أبرح.
وقالت الخنساء :
فَأَقْسَمْتُ آسَى عَلَى هَالِكٍ...
أَو اسْأَلُ نَائِحَةً مَالَهَا
أرادت : لا آسى، وقال الآخر :
لَمْ يَشْعُرِ النَّعْشُ مَا عَلَيْهِ مِن ال...


الصفحة التالية
Icon