قوله تعالى :﴿ إِلى الله ﴾ المعنى : إِني لا أشكو إِليكم، وذلك لما عنَّفوه بما تقدم ذِكره.
وروى الحاكم أبو عبد الله في "صحيحه" من حديث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أنه قال :" كان ليعقوب أخ مؤاخٍ، فقال له ذات : يوم يا يعقوب، مالذي أذهب بصرك؟ وما الذي قوَّس ظهرك؟ قال : أمَّا الذي أذهب بصري، فالبكاء على يوسف، وأما الذي قوَّس ظهري، فالحزن على بنيامين، فأتاه جبريل، فقال : يا يعقوب إِن الله يقرئك السلام ويقول لك، أما تستحي أن تشكو إِلى غيري؟ فقال : إِنما أشكو بثّي وحزني إِلى الله، فقال جبريل : الله أعلم بما تشكو، ثم قال يعقوب : أي رب، أما ترحم الشيخ الكبير؟ أذهبتَ بصري، وقوَّستَ ظهري، فاردد عليَّ ريحاني أشمه شمَّة قبل الموت، ثم اصنع بي يا رب ما شئت، فأتاه جبريل، فقال : يا يعقوب، إِن الله يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر، فوعزتي لو كانا ميتين لنشرتهما لك، اصنع طعاماً للمساكين، فإن أحب عبادي إِليّ، المساكين، وتدري لم أذهبتُ بصرك، وقوّست ظهرك، وصنع إِخوة يوسف بيوسف ما صنعوا؟ لأنكم ذبحتم شاة، فأتاكم فلان المسكين وهو صائم، فلم تطعموه منها.
فكان يعقوب بعد ذلك إِذا أراد الغداء أمر منادياً فنادى : ألا مَن أراد الغداء من المساكين فليتغدَّ مع يعقوب، وإِذا كان صائماً، أمر منادياً فنادى : من كان صائماً فليُفطر مع يعقوب "
وقال وهب بن منبه : أوحى الله تعالى إِلى يعقوب : أتدري لم عاقبتك وحبست عنك يوسف ثمانين سنة؟ قال : لا، قال : لأنك شويت عناقاً وقتَّرت على جارك وأكلت ولم تطعمه.
وذكر بعضهم أن السبب في ذلك أن يعقوب ذبح عجل بقرة بين يديها، وهي تخور، فلم يرحمها.
فإن قيل : كيف صبر يوسف عن أبيه بعد أن صار ملكاً؟
فقد ذكر المفسرون عنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنه يجوز أن يكون ذلك عن أمر الله تعالى، وهو الأظهر.