أحدهما : أنها استفهام لتعظيم القصة لا يراد به نفس الاستفهام.
قال ابن الأنباري : والمعنى : ما أعظم ما ارتكبتم، وما أسمج ما آثرتم من قطيعة الرحم وتضييع الحق، وهذا مثل قول العربي : أتدري من عصيت؟ هل تعرف من عاديت؟ لا يرد بذلك الاستفهام، ولكن يريد تفظيع الأمر، قال الشاعر :
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي...
لم يرد الاستفهام، إِنما أراد أن هذا غير مرجوٍّ عندهم.
قال : ويجوز أن يكون المعنى : هل علمتم عقبى ما فعلتم بيوسف وأخيه من تسليم الله لهما من المكروه؟ وهذه الآية تصديق قوله :﴿ لتنبِّئنَّهم بأمرهم ﴾.
والثاني : أن "هل" بمعنى "قد" ذكره بعض أهل التفسير.
فإن قيل : فالذي فعلوا بيوسف معلوم، فما الذي فعلوا بأخيه، وما سعَوا في حبسه ولا أرادوه؟
فالجواب من وجوه.
أحدها : أنهم فرَّقوا بينه وبين يوسف، فنغَّصوا عيشه بذلك.
والثاني : أنهم آذوْهُ بعد فُقْدِ يوسف.
والثالث : أنهم سبّوه لما قُذف بسرقة الصاع.
وفي قوله :﴿ إِذ أنتم جاهلون ﴾ أربعة أقوال :
أحدها : إِذ أنتم صبيان، قاله ابن عباس.
والثاني : مذنبون، قاله مقاتل.
والثالث : جاهلون بعقوق الأب، وقطع الرحم، وموافقة الهوى.
والرابع : جاهلون بما يؤول إِليه أمر يوسف، ذكرهما ابن الأنباري.
قوله تعالى :﴿ أئنك لأنت يوسف ﴾ قرأ ابن كثير، وأبو جعفر، وابن محيصن :"إِنك" على الخبر، وقرأه آخرون بهمزتين محققتين، وأدخل بعضهم بينهما ألفاً.
واختلف المفسرون، هل عرفوه، أم شبّهوه؟ على قولين.
أحدهما : أنهم شبّهوه بيوسف، قاله ابن عباس في رواية.
والثاني : أنهم عرفوه، قاله ابن إِسحاق.
وفي سبب معرفتهم له ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه تبسم، فشبَّهوا ثناياه بثنايا يوسف، قاله الضحاك عن ابن عباس.
والثاني : أنه كانت له علامة كالشامة في قرنه، وكان ليعقوب مثلها، ولإِسحاق مثلها، ولسارة مثلها، فلما وضع التاج عن رأسه، عرفوه، رواه عطاء عن ابن عباس.


الصفحة التالية
Icon