قيل : ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاماً وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب ويجوز للنبي عليه السلام أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ لأن الإنسان مجبول على أن لا يملك نفسه عند الحزن فلذلك حمد صبره، ولقد بكى رسول الله ﷺ على ولده إبراهيم، وقال :" القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون " وإنما المذموم الصياح والنياحة ولطم الصدور والوجوه وتمزيق الثياب ﴿ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ مملوء من الغيظ على أولاده ولا يظهر ما يسوؤهم فعيل بمعنى مفعول بدليل قوله ﴿ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾ [ القلم : ٤٨ ] من كظم السقاء إذا شده على ملئه.
﴿ قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ ﴾ أي لا تفتأ فحذف حرف النفي لأنه لا يلتبس إذ لو كان إثباتاً لم يكن بد من اللام والنون.
ومعنى لا تفتأ لا تزال ﴿ تَذْكُرُ يُوسُفَ حتى تَكُونَ حَرَضاً ﴾ مشفياً على الهلاك مرضاً ﴿ أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى الله ﴾ البث أصعب الهم الذي لا يصبر عليه صاحبه فيبثه إلى الناس، أي بنشره أي لا أشكو إلى أحد منكم ومن غيركم إنما أشكو إلى ربي داعياً له وملتجئاً إليه فخلوني وشكايتي.
وروي أنه أوحى إلى يعقوب.
إنما وجدت عليكم لأنكم ذبحتم شاة فوقف ببابكم مسكين فلم تطعموه وإن أحب خلقي إليّ الأنبياء ثم المساكين فاصنع طعاماً وادع عليه المساكين.
وقيل : اشترى جارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتى عميت ﴿ وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ وأعلم من رحمته أنه يأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب، وروي أنه رأى ملك الموت في منامه فسأله : هل قبضت روح يوسف؟ فقال : لا والله هو حي فاطلبه وعلمه هذا الدعاء"ياذا المعروف الدائم الذي لا ينقطع معروفه أبداً ولا يحصيه غيرك فرج عني".