﴿ وتولى عَنْهُمْ ﴾ وأعرض عنهم كراهة لما صادف منهم. ﴿ وَقَالَ يا أَسَفاً على يُوسُفَ ﴾ أي يا أسفاً تعالي فهذا أوانك، والأسف أشد الحزن والحسرة، والألف بدل من ياء المتكلم، وإنما تأسف على يوسف دون أخويه والحادث رزؤهما لأن رزأه كان قاعدة المصيبات وكان غضاً آخذاً بمجامع قلبه، ولأنه كان واثقاً بحياتهما دون حياته، وفي الحديث :" لم تعط أمة من الأمم " ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون ﴾ " عند المصيبة إلا أمة محمد ﷺ " ألا ترى إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام حين أصابه ما أصابه لم يسترجع وقال ﴿ يَا أَسَفاً ﴾. ﴿ وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الحزن ﴾ لكثرة بكائه من الحزن كأن العبرة محقت سوادهما. وقيل ضعف بصره. وقيل عمي، وقرىء ﴿ مِنَ الحزن ﴾ وفيه دليل على جواز التأسف والبكاء عند التفجع، ولعل أمثال ذلك لا تدخل تحت التكليف فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد، ولقد بكى رسول الله ﷺ على ولده إبراهيم وقال :" القلب يجزع والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون " ﴿ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ مملوء من الغيظ على أولاده ممسك له في قلبه لا يظهره، فعيل بمعنى مفعول كقوله تعالى :﴿ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾ من كظم السقاء إذا شده على ملئه، أو بمعنى فاعل كقوله :﴿ والكاظمين الغيظ ﴾ من كظم الغيظ إذا اجترعه، وأصله كظم البعير جرته إذا ردها في جوفه.
﴿ قَالُواْ تالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ ﴾ أي لا تفتأ ولا تزال تذكره تفجعاً عليه، فحذف لا كما في قوله :


الصفحة التالية
Icon