ولما سألت قريش واليهود رسول الله ـ ﷺ ـ - كما نقله أبو حيان عن ابن الأنباري - عن قصة يوسف عليه الصلاة والسلام فنزلت مشروحة هذا الشرح الشافي، مبينة هذا البيان الوافي، فأمل ـ ﷺ ـ أن يكون ذلك سبب إسلامهم فخالفوا تأميله، عزاه الله بقوله :﴿وما﴾ أي نوحيه إليك على هذا الوجه المقتضي لإيمانهم والحال أنه ما ﴿أكثر الناس﴾ أي كلهم مع ذلك لأجل ما لهم من الاضطراب ﴿ولو حرصت﴾ أي على إيمانهم ﴿بمؤمنين﴾ أي بمخلصين في إيمانهم واصفين الله بما يليق به من التنزه عن شوائب النقص، فلا تظن أنهم يؤمنون لإنزال ما يقترحون من الآيات، أو لترك ما يغيظهم من الإنذار ؛ والكثير - قال الرماني : العدة الزائدة على مقدار غيرها، والأكثر : القسم الزائد على القسم الآخر من الجملة، ونقيضه الأقل ؛ والناس : جماعة الإنسان، وهو من ناس ينوس - إذا تحرك يمنياً وشمالاً من نفسه لا بجر غيره.
ولما ذكر تعالى ما هم عليه من الكفر، ذكر ما يعجب معه منه فقال :﴿وما﴾ أي هم على ذلك والحال أن موجب إيمانهم موجود، وذلك أنك - مع دعائهم إلى الطريق الأقوم وإيتانك عليه بأوضح الدلائل ما ﴿تسئلهم عليه﴾ أي هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك، وأعرق في النفي فقال :﴿من أجر﴾ حتى يكون سؤالك سبباً لأن يتهموك أو يقولوا : لولا أنزل عليه كنز ليستغني به عن سؤالنا.
ولما نفى عنهم سؤالهم الأجر، نفى عن هذا الذكر كل غرض دنيوي فقال :﴿إن هو﴾ أي هذا الكتاب ﴿إلا ذكر﴾ أي تذكير وشرف ﴿للعالمين﴾ قال الرماني : والذكر : حضور المعنى للنفس، والعالم : جماعة الحيوان الكثيرة التي من شأنها أن تعلم، لأنه أخذ من العلم، وفيه معنى التكثير، وقد يقال : عالم الفلك وما حواه على طريق التبع للحيوان الذي ننتفع به وهو مجعول لأجله. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ١٠٥ ـ ١٠٦﴾