وقال ابن عاشور :
﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾
تذييل للقصة عند انتهائها.
والإشارة إلى ما ذُكر من الحادث أي ذلك المذكور.
واسم الإشارة لتمييز الأنباء أكمل تمييز لتتمكن من عقول السامعين لما فيها من المواعظ.
و﴿ الغيب ﴾ ما غاب عن علم الناس، وأصله مصدر غاب فسمي به الشيء الذي لا يشاهد.
وتذكير ضمير ﴿ نوحيه ﴾ لأجل مراعاة اسم الإشارة.
وضمائر ﴿ لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ﴾ عائدة إلى كل من صدر منه ذلك في هذه القصة من الرجال والنساء على طريقة التغليب، يشمل إخوة يوسف عليه السلام والسيارةَ، وامرأةَ العزيز، ونسوتَها.
و﴿ أجمعوا أمرهم ﴾ تَفسيره مثل قوله :﴿ وأجمعوا أن يجعلوه في غيابَات الجب ﴾ [ يوسف : ١٥ ].
والمكر تقدم، وهذه الجملة استخلاص لمواضع العبرة من القصة.
وفيها منّة على النبي، وتعريض للمشركين بتنبيههم لإعجاز القرآن من الجانب العلمي، فإن صدور ذلك من النّبي الأميّ آية كبرى على أنه وحي من الله تعالى.
ولذلك عقب بقوله : وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين }.
وكان في قوله :﴿ وما كنت لديهم ﴾ توركاً على المشركين.
وجملة ﴿ وما كنت لديهم ﴾ في موضع الحال إذ هي تمام التعجيب.
وجملة ﴿ وهم يمكرون ﴾ حال من ضمير ﴿ أجمعوا ﴾، وأتي ﴿ يمكرون ﴾ بصيغة المضارع لاستحضار الحالة العجيبة.
﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾
انتقال من سوق هذه القصة إلى العبرة بتصميم المشركين على التكذيب بعد هذه الدلائل البينة، فالواو للعطف على جملة ﴿ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ﴾ [ يوسف : ١٠٢ ] باعتبار إفادتها أن هذا القرآن وحي من الله وأنه حقيق بأن يكون داعياً سامعيه إلى الإيمان بالنبي.
ولما كان ذلك من شأنه أن يكون مطمعاً في إيمانهم عقب بإعلام النبي بأن أكثرهم لا يؤمنون.