وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾
و" ذلك " إشارة إلى هذه القصة، والخطاب مُوجَّه إلى محمد ﷺ أي : أنك يا محمد لم تَكُنْ معهم حين قالوا :﴿ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا مِنَّا... ﴾ [ يوسف : ٨ ]
فالحق سبحانه أخبرك بأنباء لم تكن حاضراً لأحداثها، والغيب كما عَلِمنا من قبل هو ما غاب عنك، ولم يَغِبْ عن غيرك، وهو غيب نسبيّ ؛ وهناك الغيب المُطْلق، وهو الذي يغيب عنك وعن أمثالك من البشر.
والغيب كما نعلم له ثلاثة حواجز :
الأول : هو حاجز الزمن الماضي الذي لم تشهده ؛ أو حاجز الزمن المستقبل الذي لم يَأْتِ بَعْد.
والثاني : هو حاجز المكان.
والثالث : هو حاجز الحاضر، بمعنى أن هناك أشياء تحدثُ في مكان أنت لا توجد فيه، فلا تعرف من أحداثه شيئاً. و ﴿ نُوحِيهِ إِلَيْكَ... ﴾ [ يوسف : ١٠٢ ]
أي نُعلِمك به بطَرْفٍ خَفيّ، حين اجتمعوا ليتفقوا، إما أن يقتلوا يوسف، أو يُلْقوه في غيابة الجب.
وكشف لك الحق سبحانه حجاب الماضي في أمر لم يُعلمه لرسول الله ؛ ولم يشهد ﷺ ما دار بين الإخوة مباشرة، أو سماعاً من مُعلِّم، ولم يقرأ عنه ؛ لأنه ﷺ أُمِيّ لم يتعلم القراءة أو الكتابة.
وسبحانه يقول عن رسوله ﷺ :﴿ وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ المبطلون ﴾ [ العنكبوت : ٤٨ ]
وهم بشهادتهم يعلمون كل حركة لرسول الله ﷺ قبل أن يُبعث ؛ إقامة وتِرْحالاً والتقاءً بأيِّ أحد.
فلو عَلموا أنه قرأ كتاباً لكانت لهم حُجَّة، وحتى الأمر الذي غابتْ عنهم فِطْنتهم فيه ؛ وقالوا :﴿ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ... ﴾ [ النحل : ١٠٣ ]


الصفحة التالية
Icon