والحق سبحانه هو القائل :﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ﴾ [ الطور : ٤٠ ]
والحق سبحانه يقول على لسان رسوله في موقع آخر :﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله... ﴾ [ سبأ : ٤٧ ]
وهو هنا يُعلِي الأجر، فبدلاً من أن يأخذ الأجر من محدود القدرة على الدَّفْع، فهو يطلبها من الذي لا تُحَدّ قدرته في إعطاء الأجر ؛ فكأن العمل الذي يقوم به لا يمكن أن يُجَازى عليه إلا من الله ؛ لأن العمل الذي يؤديه بمنهج الله ومن الله، فلا يمكن إلا أن يكون الأجر عليه من أحد غير الله.
ولذلك يقول سبحانه :﴿... إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [ يوسف : ١٠٤ ]
والذكر يُطْلَق إطلاقات متعددة، ومادة " ذال " و " كاف " و " راء " مأخوذة من الذاكرة. وعرفنا من قبل أن الإنسان له آلات استقبال هي الحواس الإنسانية، وتنتقل المعلومات أو الخبرات منها إلى العمليات العقلية، وتمرُّ تلك المعلومات ببؤرة الشعور، لِتُحفظ لفترة في هذه البؤرة، ثم تنتقل إلى حاشية الشعور، إلى أن تستدعيها الأحداث، فتعود مرة أخرى إلى بُؤْرة الشعور.
ولذلك أنت تقول حين تتذكر معلومة قديمة " لقد تذكرتها " ؛ كأن المعلومة كانت موجودة في مكان ما في نفسك ؛ لكنها لم تَكُنْ في بؤرة الشعور. وحين جاءت عملية الاستدعاء، فهي تنتقل من حاشية الشعور إلى بُؤْرة الشعور.
والتذكُّر هو : استدعاء المعلومة من حاشية الشعور إلى بؤرة الشعور.
والحق سبحانه يقول :﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله... ﴾ [ إبراهيم : ٥ ]
أي : ذكِّرهم بما مَرَّ عليهم من أحداث أجراها الله ؛ وهي غير موجودة الآن في بُؤْرة شعورهم. وسُمِّي القرآن ذكراً ؛ لأنه يُذكِّر كل مؤمن به بالله الذي تفضَّل علينا بالمنهج الذي تسير به حياتنا إلى خير الدنيا والآخرة.


الصفحة التالية
Icon