وقال ابن عطية :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾
هذه الآية تتضمن الرد على مستغربي إرسال الرسل من البشر كالطائفة التي قالت : أبعث الله بشراً رسولاً، وكالطائفة التي اقترحت ملكاً وغيرهما.
وقرأ الجمهور :" يوحَى إليهم " بالياء وفتح الحاء، وهي قراءة عاصم في رواية أبي بكر، وقرأ في رواية حفص :" نوحِي " بالنون وكسر الحاء وهي قراءة أبي عبد الرحمن وطلحة.
و﴿ القرى ﴾ : المدن، وخصصها دون القوم المنتوين - أهل العمود - فإنهم في كل أمة أهل جفاء وجهالة مفرطة، قال ابن زيد :﴿ أهل القرى ﴾ أعلم وأحلم من أهل العمود.
قال القاضي أبو محمد : فإنهم قليل نبلهم ولم ينشىء الله فيهم رسولاً قط. وقال الحسن : لم يبعث الله رسولاً قط من أهل البادية ولا من النساء ولا من الجن.
قال القاضي أبو محمد : والتبدي مكروه إلا في الفتن وحين يفر بالدين، كقوله عليه السلام " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً " الحديث. وفي ذلك أذن رسول الله ﷺ لسلمة بن الأكوع وقد قال ﷺ :" لا تعرب في الإسلام " وقال : من " بدا جفا " وروى عنه معاذ بن جبل أنه قال :" الشيطان ذيب الإنسان كذيب الغنم يأخذ الشاة القاصية فإياكم والشعاب وعليكم بالمساجد والجماعات والعامة ".
قال القاضي أبو محمد : ويعترض هذا ببدو يعقوب، وينفصل عن ذلك بوجهين أحدهما : أن ذلك البدو لم يكن في أهل عمود بل هو بتقر في منازل وربوع.
والثاني : أنه إنما جعله بدواً بالإضافة إلى مصر كما هي بنات الحواضر بدو بالإضافة إلى الحواضر.
ثم أحالهم على الاعتبار في الأمم السالفة في أقطار الأرض التي كذبت رسلها فحاق بها عذاب الله، ثم حض على الآخرة والاستعداد لها والاتقاء من الموبقات فيها، ثم وقفهم موبخاً بقوله :﴿ أفلا تعقلون ﴾.