وقال أبو حيان فى الآيات :
﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾
قال ابن الأنباري : سألت قريش واليهود رسول الله ( ﷺ ) عن قصة يوسف فنزلت مشروحة شرحاً وافياً، وأمل أن يكون ذلك سبباً لإسلامهم، فخالفوا تأميله، فعزاه الله تعالى بقوله : وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين الآيات.
وقيل : في المنافقين، وقيل : الثنوبة، وقيل : في النصارى.
وقال ابن عباس : في تلبية المشركين.
وقيل : في أهل الكتاب آمنوا ببعض وكفروا ببعض، فجمعوا بين الإيمان والشرك.
والإشارة بذلك إلى ما قصه الله من قصة يوسف وإخوته.
وما كنت لديهم أي : عند بني يعقوب حين أجمعوا أمرهم على أن يجعلوه في الجب، ولا حين ألقوه فيه، ولا حين التقطته السيارة، ولا حين بيع.
وهم يمكرون أي يبغون الغوائل ليوسف، ويتشاورون فيما يفعلون به.
أو يمكرون بيعقوب حين أتوا بالقميص ملطخاً بالدم، وفي هذا تصريح لقريش بصدق رسول الله ( ﷺ ).
وهذا النوع من علم البيان يسمى بالاحتجاج النظري، وبعضهم يسميه المذهب الكلامي، وهو أن يلزم الخصم ما هو لازم لهذا الاحتجاج، وتقدم نظير ذلك في آل عمران، وفي هود.
وهذا تهكم بقريش وبمن كذبه، لأنه لا يخفى على أحد أنه لم يكن من حملة هذا الحديث وأشباهه، ولا لقي فيها أحداً ولا سمع منه، ولم يكن من علم قومه، فإذا أخبر به وقصه هذا القصص الذي أعجز حملته ورواته لم تقع شبهة في أنه ليس منه، وإنما هو من جهة القرون الخالية ونحوه ﴿ وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر ﴾ فقوله : وما كنت، هنا تهكم بهم، لأنه قد علم كل أحد أن محمداً ( ﷺ ) ما كان معهم.
وأجمعوا أمرهم أي : عزموا على إلقاء يوسف في الجب، وهم يمكرون جملة حالية.