ولما كان ربما قيل : كيف يوصفون بالإعراض وهم يعتقدون أن الله فاعل تلك الآيات، بين أن إشراكهم مسقط لذلك، فقال :﴿ما يؤمن أكثرهم﴾ أي الناس ﴿بالله﴾ أي الذي لا شيء إلا وهو داع إلى الإيمان به، لأنه المختص بصفات الكمال ﴿إلا وهم مشركون﴾ به مَن لا يقدر على شيء فضلاً عن أن يأتي بآية، كانوا يقرون بأن الله خالقهم ورازقهم ويعبدون غيره، وكذا المنافقون يظهرون الإيمان ويبطنون الكفران، وكذا أهل الكتابين يؤمنون بكتابهم ويقلدون علماءهم في الكفر بغيره، فعلم أن إذعانهم بهذا الإيمان غير تابع لدليل، وهو محض تقليد لمن زين له سوء علمه فرآه حسناً، لما سبق فيه من علم الله أنه لا صلاحية له فأفسده بما شابهه به من الشرك، والآية صالحة لإرادة الشرك الخفي الذي أشار إليه النبي ـ ﷺ ـ بقوله :" الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل " وهو شرك الأسباب التي قدر الله وصول ما يصل إلى العبد بواسطتها، فقل من يتخطى من الأسباب إلى مسببها! قال الرازي في اللوامع : وقال الإمام محمد بن علي الترمذي : إنما هو شك وشرك فالشك ضيق الصدر عند النوائب، ومنه ثوب مشكوك، والشرك بنور التوحيد، فعند هذا يتولاه الله تعالى، وقال الواسطي : إلا وهم مشركون : في ملاحظة الخواطر والحركات.
ولما أخبر الله تعالى عن ارتباكهم في أشراك إشراكهم، وأنهم يتعامون عن الأدلة في الدنيا، وكان الأكثر المبهم القطع بعدم إيمانهم من توجيه الأمر والنهي والحث والزجر إلى الجميع وهم في غمارهم، وكان بعض الناس كالحمار لا ينقاد إلا بالعذاب، قال سبحانه وتعالى :﴿أفأمنوا﴾ إنكاراً فيه معنى التوبيخ والتهديد ﴿أن تأتيهم غاشية﴾ أي شيء يغطيهم ويبرك عليهم ويحيط بهم ﴿من عذاب الله﴾ أي الذي له الأمر كله في الدنيا كما أتى من ذكرنا قصصهم من الأمم.