الصفة الثانية : قوله :﴿مَا كَانَ حَدِيثًا يفترى﴾ وفيه قولان : الأول : أن المراد الذي جاء به وهو محمد ﷺ لا يصح منه أن يفتري لأنه لم يقرأ الكتب ولم يتلمذ لأحد ولم يخالط العلماء فمن المحال أن يفتري هذه القصة بحيث تكون مطابقة لما ورد في التوراة من غير تفاوت، والثاني : أن المراد أنه ليس يكذب في نفسه، لأنه لا يصح الكذب منه، ثم إنه تعالى أكد كونه غير مفترى فقال :﴿ولكن تَصْدِيقَ الذى بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ وهو إشارة إلى أن هذه القصة وردت على الوجه الموافق لما في التوراة وسائر الكتب الإلهية، ونصب تصديقاً على تقدير ولكن كان تصديق الذي بين يديه كقوله تعالى :﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ ولكن رَّسُولَ الله﴾ [ الأحزاب : ٤٠ ] قاله الفراء والزجاج، ثم قال : ويجوز رفعه في قياس النحو على معنى : ولكن هو تصديق الذي بين يديه.
والصفة الثالثة : قوله :﴿وَتَفْصِيلَ كُلّ شَىْء﴾ وفيه قولان : الأول : المراد وتفصيل كل شيء من واقعة يوسف عليه السلام مع أبيه وإخوته، والثاني : أنه عائد إلى القرآن، كقوله :﴿مَّا فَرَّطْنَا فِى الكتاب مِن شَىْء﴾ [ الأنعام : ٣٨ ] فإن جعل هذا الوصف وصفاً لكل القرآن أليق من جعله وصفاً لقصة يوسف وحدها، ويكون المراد : ما يتضمن من الحلال والحرام وسائر ما يتصل بالدين.
قال الواحدي على التفسيرين جميعاً : فهو من العام الذي أريد به الخاص كقوله :﴿وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء﴾ [ الأعراف : ١٥٦ ] يريد : كل شيء يجوز أن يدخل فيها وقوله :﴿وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْء﴾ [ النمل : ٢٣ ].


الصفحة التالية