وختم هذه الآية بقوله "وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ" (٤١) بما يدل على الغالبية أيضا وتفيد هذه الجملة أن أحكام أهل الدّنيا معرضة للابطال بالاعتراض عليها والاستئناف والتمييز والتصحيح والعفو عنها بخلاف أحكام اللّه فإنها قطعية لا مردّ لها، وإن حسابه على الأعمال بأقل من طرفة عين بخلاف حسابنا لأنه قد يحتاج إلى سنين.
قال تعالى "وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ" بأنبيائهم كما مكر قومك بك، ولكن مكرهم ليس بشيء ولا قيمة له إذ ليس لهم من أمره شيء "فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً" لأنه هو الذي خلقه في العباد وهو القادر على نزعه منهم لأنه "يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ" من خير أو شر في السّر والجهر "وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ" المحمودة إذا بعثوا من قبورهم، لأنهم الآن غافلون عنها لا يعرفونها ولا يعتقدون بصحتها "وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا" فيا سيد الرّسل "قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ" على رسالتي إليكم وإلى من في الأرض أجمع "وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ" (٤٣) يعلم ذلك أيضا، لأن الكتب المنزلة عليهم تشهد برسالته لكل من عنده علم بها ولا يكتم علمه، يشهد بأن محمدا رسول اللّه.
ومن قرأ عنده بالجر باعتبار من حرف جر أعاد الضّمير في عنده إلى اللّه تعالى، ويكون المراد بالكتاب اللّوح المحفوظ، وما جرينا عليه أولى وأنسب بالمقام.
ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به هذه السّورة ولا بما بدئت به.
واللّه أعلم، وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا. أ هـ ﴿بيان المعاني حـ ٦ صـ ٣٤ ـ ٥٥﴾