وقال ﴿أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ وفي موضع آخر ﴿أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ﴾ فالاخر هو الذي وقع عليه الاستفهام والأول حرف**، كما تقول "أَيَوْمَ الجُمُعَةِ زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ". ومن أوقع استفهاما آخر جعل قوله ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً﴾ ظرفا لشيء مذكور قبله، ثم جعل هذا الذي استفهم عنه اسفتهاما آخر وهذا بعيد. وان شئت لم تجعل في قولك (أَإِذا) *** استفهاما وجعلت الاستفهام في اللفظ على "أَإِنّا"، كأنك قلت "يوم الجمعة أعبد الله منطلق" واضمرت فيه. فهذا موضع قد ابتدأت فيه "إِذا" وليس بكثير في الكلام و ولو قلت "اليومَ إِنَّ عَبْدَ اللهِ مُنْطَلِقٌ" [١٤٠] لم يحسن وهو جائز. وقد قالت العرب "مَا عَلِمْتُ إِنَّه لَصالِح" يريد: إِنَّه لَصالِحٌ ما عَلِمْتُ.
﴿ سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾
وقال ﴿مُسْتَخْفٍ بِالْلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ فقوله ﴿مُسْتَخْفٍ﴾ يقول: ظاهِرٌ. و"السارِب": المُتَوارِيِ. وقد قرئت (أَخِفْيها) أي: أُظْهِرُها لأَنَّكَ تقول "خَفَيْتُ السِّرَّ" أَيْ: أظْهَرْتُهُ وأَنْشَدَ: [من المتقارب وهو الشاهد السادس والثلاثون بعد المئتين]:
إِنْ تَكْتُموا الداءَ لا نَخْفِهِ * وَإِنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لاَ نَقْعُدِ
والضم أَجْوَدُ. وزعموا أَنَّ تفسير (أَكادُ) : أُريد وأَنَّها لُغَةٌ لأَن "أُرِيدُ" قد تجعل مكان "أَكادُ" مثلُ (جِداراً يُريدُ اَنْ يَنْقَضَ) أيْ: "يَكادُ أَنْ يَنْقَضَّ" فكذلك "أَكادُ" إِنَّما هي: أُريدُ. وقال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السابع والثلاثون بعد المئتين]:
كَادَتْ وَكِدْتُ وَتِلْكَ خَيْرُ إرادَةٍ * لَوْ عادَ مِنْ لَهْوِ الصبَّابَةِ ما مَضَى