ثم بين أشجار هذه الجنان بأنها "مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ" كل منها مختلفة في النّوع والشّكل والهيئة، وكلّ منها "صِنْوانٌ" الصنوان الشّجرات المتعددة من أصل واحد واحده صنو "وَغَيْرُ صِنْوانٍ" شجرة منفردة بأصلها، فالأشجار المجتمعة بأصلها أو برأسها كالنخل لأنه قد يتفرع له في رأسه فروع تصير كالنخلة المتفرعة من الأصل وتحمل ثمرا أيضا، وهذا كثير مشاهد ويسمى صنوان وقد بينا في الآية ٩٩ من سورة الأنعام في ج ٢ الكلمات التي هي على وزن صنوان فراجعها تقف على أصلها وجمعها، وانظر أيها الإنسان إلى عظيم قدرة ربك أن تلك الأشجار كلها "يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ" أي الطّعم فمنها الحلو والحامض والمز والمر وغير ذلك، وكذلك في الرّائحة واللّون والشّكل كالإنسان، منه الخبيث والصّالح والأحمر والأسود والحسن والقبيح وما بينهما وهم من أب واحد "إِنَّ فِي ذلِكَ" الخلق العجيب والاختلاف الغريب الذي يبهر العقول ويكل عن فهمه المعقول والمنقول ويعجز عن إدراكه الفحول "لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ٤" تلك المعاني ويتدبرون مغزاها ومرماها ويتفكرون في تلك القدرة العظيمة "وَإِنْ تَعْجَبْ" أيها الإنسان الكامل من هذه المكونات البديعة النّاشئة عن قدرة اللّه البالغة، فحق لك أن تعجب لأنه مما يوجب العجب، ولكن إنكار الكفرة للبعث مع اعترافهم بأن اللّه خلقهم على غير مثال سابق أكثر عجبا من هذا لأنه كله دون قدرة القادر، ولأن إعادة الشّيء أهون وأيسر من إبداعه، ولهذا "فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا كُنَّا تُراباً أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ٥" فقولهم هذا هو الذي يجب أن تتعجب منه لا ذلك.