أما لما قال اثنين علمنا أن الله تعالى أول ما خلق من كل زوجين اثنين لا أقل ولا أزيد.
والحاصل أن الناس فيهم الآن كثرة إلا أنهم لما ابتدؤا من زوجين اثنين بالشخص هما آدم وحواء، فكذلك القول في جميع الأشجار والزرع، والله أعلم.
النوع الرابع : من الدلائل المذكورة في هذه الآية الاستدلال بأحوال الليل والنهار وإليه الإشارة بقوله :﴿يغشي الليل النهار﴾ والمقصود أن الإنعام لا يكمل إلا بالليل والنهار وتعاقبهما كما قال :﴿فَمَحَوْنَا ءايَةَ الليل وَجَعَلْنَا ءايَةَ النهار مُبْصِرَةً﴾ [ الإسراء : ١٢ ] ومنه قوله :﴿يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً﴾ [ الأعراف : ٥٤ ] وقد سبق الاستقصاء في تقريره فيما سلف من هذا الكتاب، قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم :﴿يُغْشِى﴾ بالتشديد وفتح الغين والباقون بالتخفيف، ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الدلائل النيرة والقواطع القاهرة قال :﴿إِنَّ فِى ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾.
واعلم أنه تعالى في أكثر الأمر حيث يذكر الدلائل الموجودة في العالم السفلي يذكر عقبها :﴿إِنَّ فِى ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أو ما يقرب منه بحسب المعنى، والسبب فيه أن الفلاسفة يسندون حوادث العالم السفلي إلى الاختلافات الواقعة في الأشكال الكوكبية، فما لم تقم الدلالة على دفع هذا السؤال لا يتم المقصود، فلهذا المعنى قال :﴿إِنَّ فِى ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ كأنه تعالى يقول مجال الفكر باق بعد ولا بد بعد هذا المقام من التفكر والتأمل ليتم الاستدلال.


الصفحة التالية
Icon