ولما كان رفع السماوات بعد خلق الأرض وقبل تسويتها، ذكر أنه شرع في تدبير ما للكونين من المنافع وما فيهما من الأعراض والجواهر، وأشار إلى عظمة ذلك التدبير بأداة التراخي فقال :﴿ثم استوى على العرش﴾ قال الرازي في لوامع البرهان : وخص العرش لأنه أعلى خلقه وصفوته ومنظره الأعلى وموضع تسبيحه ومظهر ملكه ومبدأ وحيه ومحل قربه، ولم ينسب شيئاً من خلقه كنسبته، فقال تعالى :﴿ذو العرش﴾ كما قال ﴿ذو الجلال﴾ و " ذو " كلمة لحق واتصال وظهور ومبدأ، وقال الرماني : والاستواء : الاستيلاء بالاقتدار ونفوذ السلطان، وأصله : استوى التدبير، كما أن أصل القيام الانتصاب، ثم يقال : قائم بالتدبير - انتهى.
وعبر ب " ثم " لبعد هذه الرتبة عن الأطماع وعلوها عما يستطاع، فليس هناك ترتيب ولا مهلة حتى يفهم أن ما قبل كان على غير ذلك، والمراد أنه أخذ في التدبير لما خلق كما هو شأن الملوك إذا استووا على عروشهم، أي لم يكن لهم مدافع، وإن لم يكن هناك جلوس أصلاً، وذلك لأن روح الملك التدبير وهو أعدل أحواله والله أعلم ﴿وسخر﴾ أي ذلل تذليلاً عظيماً ﴿الشمس﴾ أي التي هي آية النهار ﴿والقمر﴾ أي الذي هو آية الليل لما فيهما من الحكم والمنافع والمصالح التي بها صلاح البلاد والعباد، ودخلت اللام فيهما وكل واحد منهما لا ثاني له لما في الاسم من معنى الصفة، إذا لو وجد مثل لهما لم يتوقف في إطلاق الاسم عليه، ولا كذلك زيد وعمرو.
والتسخير : التهيئة لذلك المعنى المسخر له ليكون بنفسه من غير معاناة صاحبه فيما يحتاج إليه كتسخير النار للإنضاج والماء للجريان ﴿كل﴾ أي من الكوكبين ﴿يجري ﴾.