فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد : لذو مغفرة لأهل الصغائر لأجل أن عقوبتهم مكفرة ثم نقول : لم لا يجوز أن يكون المراد : إن ربك لذو مغفرة إذا تابوا وأنه تعالى إنما لا يعجل العقاب إمهالاً لهم في الإتيان بالتوبة، فإن تابوا فهو ذو مغفرة لهم ويكون من هذه المغفرة تأخير العقاب إلى الآخرة بل نقول : يجب حمل اللفظ عليه لأن القوم لما طلبوا تعجيل العقاب، فالجواب المذكور فيه يجب أن يكون محمولاً على تأخير العقاب حتى ينطبق الجواب على السؤال ثم نقول : لم لا يجوز أن يكون المراد : وإن ربك لذو مغفرة أنه تعالى إنما لا يعجل العقوبة إمهالاً لهم في الإتيان بالتوبة، فإن تابوا فهو ذو مغفرة، وإن عظم ظلمهم ولم يتوبوا فهو شديد العقاب.
والجواب عن الأول أن تأخير العقاب لا يسمى مغفرة، وإلا لوجب أن يقال : الكفار كلهم مغفور لهم لأجل أن الله تعالى أخر عقابهم إلى الآخرة، وعن الثاني : أنه تعالى تمدح بهذا والتمدح إنما يحصل بالتفضل.
أما بأداء الواجب فلا تمدح فيه وعندكم يجب غفران الصغائر وعن الثالث : أنا بينا أن ظاهر الآية يقتضي حصول المغفرة حال الظلم، وبينا أن حال حصول الظلم يمنع حصول التوبة، فسقطت هذه الأسئلة وصح ما ذكرناه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٩ صـ ٨ ـ ١١﴾