ويحتمل أن يكون مجازاً وأنه أخبر عن كونهم مغللين عن الإيمان، فهي إذن تجري مجرى الطبع والختم على القلوب، وهي كقوله تعالى :﴿ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان، فهم مقمحون ﴾ [ يس : ٨ ] وباقي الآية بين.
وقال بعض الناس ﴿ الأغلال ﴾ -هنا - عبارة عن الأعمال، أي أعمالهم الفاسدة في أعناقهم كالأغلال.
قال القاضي أبو محمد : وتحرير هذا هو في التأويل الثاني الذي ذكرناه.
وقوله تعالى :﴿ ويستعجلونك بالسيئة... ﴾ الآية،
هذه آية تبين تخطيئهم في أن يتمنوا المصائب، ويطلبوا سقوط كسف من السماء أو حجارة تمطر عليهم ونحو هذا مع خلو ذلك في الأمم ونزوله بأناس كثير ؛ ولو كان ذلك لم ينزل قط لكانوا أعذر، و﴿ المثلات ﴾ جمع مثلة، كسمرة وسمرات، وصدقة وصدقات.
وقرأ الجمهور " المَثُلات " بفتح الميم وضم الثاء، وقرأ مجاهد " المَثَلات " بفتح الميم والثاء، وذلك جمع مثلة، أي الأخذة الفذة بالعقوبة، وقرأ عيسى بن عمر " المُثُلات " بضم الميم والتاء، ورويت عن أبي عمرو ؛ وقرأ يحيى بن وثاب بضم الميم وسكون الثاء، وهاتان جمع مثلة، وقرأ طلحة بن مصرف " المَثْلات " بفتح الميم وسكون الثاء.
ثم رجّى عز وجل بقوله :﴿ وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ﴾ قال الطبري : معناه في الآخرة، وقال قوم : المعنى : إذا تابوا، و" شديد العقاب " إذا كفروا.
قال القاضي أبو محمد : والظاهر من معنى " المغفرة " هنا إنما هو ستره في الدنيا وإمهاله للكفرة، ألا ترى التيسير في لفظ ﴿ مغفرة ﴾، وأنها منكرة مقللة، وليس فيها مبالغة كما في قوله :﴿ وإني لغفار لمن تاب ﴾ [ طه : ٨٢ ] ونمط الآية يعطي هذا، ألا ترى حكمه عليهم بالنار، ثم قال :﴿ ويستعجلونك ﴾ فلما ظهر سوء فعلهم وجب في نفس السامع تعذيبهم، فأخبر بسيرته في الأمم وأنه يمهل مع ظلم الكفر، ولم يرد في الشرع أن الله تعالى يغفر ظلم العباد.