قال القاضي : والظاهر لا يحتمل إلا هذا المعنى لأنه لا شيء مما يفعله تعالى سوى العقاب إلا وقد يبتدىء به في الدنيا من دون تغيير يصدر من العبد فيما تقدم لأنه تعالى ابتدأ بالنعم دينا ودنياً ويفضل في ذلك من شاء على من يشاء، فالمراد مما ذكره الله تعالى التغيير بالهلاك والعقاب، ثم اختلفوا فبعضهم قال هذا الكلام راجع إلى قوله :﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة﴾ [ الرعد : ٦ ] فبين تعالى أنه لا ينزل بهم عذاب الاستئصال إلا والمعلوم منهم الإصرار على الكفر والمعصية، حتى قالوا : إذا كان المعلوم أن فيهم من يؤمن أو في عقبه من يؤمن فإنه تعالى لا ينزل عليهم عذاب الاستئصال وقال بعضهم : بل الكلام يجري على إطلاقه، والمراد منه أن كل قوم بالغوا في الفساد وغيروا طريقتهم في إظهار عبودية الله تعالى فإن الله يزيل عنهم النعم وينزل عليهم أنواعاً من العذاب، وقال بعضهم : إن المؤمن الذي يكون مختلطاً بأولئك الأقوام فربما دخل في ذلك العذاب.
روي عن أبي بكر رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :" إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب " واحتج أبو علي الجبائي والقاضي بهذه الآية في مسألتين :
المسألة الأولى :
أنه تعالى لا يعاقب أطفال المشركين بذنوب آبائهم، لأنهم لم يغيروا ما بأنفسهم من نعمة فيغير الله حالهم من النعمة إلى العذاب.
المسألة الثانية :
قالوا : الآية تدل على بطلان قول المجبرة إنه تعالى يبتدىء العبد بالضلال والخذلان أول ما يبلغ وذلك أعظم من العقاب، مع أنه ما كان منه تغيير.
والجواب : أن ظاهر هذه الآية يدل على أن فعل الله في التغيير مؤخر عن فعل العبد، إلا أن قوله تعالى :﴿وَمَا يَشَآءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء الله﴾ [ الإنسان : ٣٠ ] يدل على أن فعل العبد مؤخر عن فعل الله تعالى، فوقع التعارض.