وقال ابن العربى :
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : إذَا وُجِدَ الْفِعْلُ، فِي الْآدَمِيِّ مَعَ خَلْقِ الْإِرَادَةِ فِيهِ كَانَ طَوْعًا، وَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ مَعَ عَدَمِ الْإِرَادَةِ كَانَ كَرْهًا، وَيَأْتِي تَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِهَا عَلَى أَقْوَالٍ، جُمْهُورُهَا أَرْبَعَةٌ : الْأَوَّلُ : الْمُؤْمِنُ يَسْجُدُ طَوْعًا، وَالْكَافِرُ يَسْجُدُ خَوْفَ السَّيْفِ ؛ فَالْأَوَّلُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ آمَنَ طَوْعًا مِنْ غَيْرِ لَعْثَمَةٍ.
وَالثَّانِي : الْكَافِرُ يَسْجُدُ لِلَّهِ، إذَا أَصَابَهُ الضُّرُّ يَسْجُدُ لِلَّهِ كَرْهًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿ وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلَّا إيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ﴾ يُرِيدُ عَنْهُ وَعَبَدْتُمْ غَيْرَهُ.
الثَّالِثُ : قَالَ الصُّوفِيَّةُ : الْمُخْلِصُ يَسْجُدُ لِلَّهِ مَحَبَّةً، وَغَيْرُهُ يَسْجُدُ لِابْتِغَاءِ عِوَضٍ، أَوْ لِكَشْفِ مِحْنَةٍ، فَهُوَ يَسْجُدُ كَرْهًا.
الرَّابِعُ : الْخَلْقُ كُلُّهُمْ سَاجِدٌ، إلَّا أَنَّهُ مَنْ سَجَدَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ طَوْعٌ، وَمَنْ سَجَدَ بِحَالِهِ فَهُوَ كَرْهٌ ؛ إذْ الْأَحْوَالُ تَدُلُّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ ذِي الْحَالِ.


الصفحة التالية
Icon