شبه ذلك كله بهيئة نزول الماء فانحدَارِه على الجبال والتلال وسيلانه في الأودية على اختلاف مقاديرها، ثم ما يدفع من نفسه زبداً لا ينتفع به ثم لم يلبث الزبد أن ذهب وفني والماء بقي في الأرض للنفع.
ولما كان المقصود التشبيه بالهيئة كلها جيء في حكاية ما ترتب على إنزال الماء بالعطف بفاء التفريع في قوله : فسالت } وقوله :﴿ فاحتمل ﴾ فهذا تمثيل صالح لتجزئة التشبيهات التي تركب منها وهو أبلغ التمثيل.
وعلى نحو هذا التمثيل وتفسيره جاء ما يبينه من التمثيل الذي في قول النبي ﷺ " مثَل ما بعثني الله به من الهُدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقيّة قبلتْ الماء فأنبتت الكلأ والعُشْبَ الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناسَ فشربوا وسقَوا وزرعوا، وأصاب منها طائفةً أخرى إنما هي قيعَان لا تمسك ماء ولا نتنبت كلأ، مثلَ منْ فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعَلِم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هُدى الله الذي أرسلتُ به ".
والأودية : جمع الوادي، وهو الحفير المتسع الممتد من الأرض الذي يجري فيه السيل.
وتقدم في سورة براءة عند قوله تعالى :﴿ ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم ﴾ [ سورة التوبة : ١٢١ ].
والقَدَر بفتحتين : التقدير، فقوله : بقدرها } في موضع الحال من ﴿ أودية ﴾، وذكره لأنه من مواضع العبرة، وهو أن كانت أخاديد الأودية على قَدْر ما تحتمله من السيول بحيث لا تفيض عليها وهو غالب أحوال الأودية.
وهذا الحال مقصود في التمثيل لأنه حال انصراف الماء لنفعٍ لا ضرّ معه، لأنّ من السيول جواحف تجرف الزرع والبيوت والأنعام.
وأيضاً هو دال على تفاوت الأودية في مقادير المياه.
ولذلك حظ من التشبيه وهو اختلاف الناس في قابلية الانتفاع بما نزل من عند الله كاختلاف الأودية في قبول الماء على حسب ما يسيل إليها من مصاب السيول، وقد تم التمثيل هنا.