جيم ـ الحقّ يعتمد على ذاته دائماً، أمّا الباطل فيستمدّ إعتباره من الحقّ ويسعى للتلبّس به، كما أنّ (الكذب يتلبّس بضياء الصدق) ولو فقد الكلام الصادق من العالم لما كان هناك من يصدق الكذب. ولو فقدت البضاعة السليمة من العالم لما وجد من يخدع ببضاعة مغشوشة. وعلى هذا فوجود الباطل راجع إلى شعاعه الخاطف وإعتباره المؤقّت الذي سرقه من الحقّ، أمّا الحقّ فهو مستند إلى نفسه وإعتباره منه.
٢ ـ ما هو الزّبد؟
"الزبد" بمعنى الرغوة التي تطفوا على السائل، والماء الصافي أقلّ رغوة، لأنّ الزبد يتكوّن بسبب إختلاط الأجسام الخارجية مع الماء، ومن هنا يتّضح أنّ الحقّ لو بقي على صفائه ونقائه لم يظهر فيه الخبث أبداً، ولكن لإمتزاجه بالمحيط الخارجي الملوّث فإنّه يكتسب منه شيئاً، فتختلط الحقيقة مع الخرافة، والحقّ بالباطل، والصافي بالخابط. فيظهر الزبد الباطل إلى جانب الحقّ.
وهذا هو الذي يؤكّده الإمام علي (عليه السلام) حيث يقول: "لو أنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين، ولو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل إنقطعت عنه ألسن المعاندين".
يقول بعض المفسّرين إنّ للآية أعلاه ثلاث أمثلة: "نزول آيات القرآن" تشبيهه بنزول قطرات المطر للخير، "قلوب الناس" شبيهة بالأرض والوديان وبقدر وسعها يستفاد منها، "وساوس الشيطان" شبيهة بالزبد الطافي على الماء، فهذا الزبد ليس من الماء، بل نشأ من إختلاط الماء بمواد الأرض الأُخرى، ولهذا السبب فوساوس النفس والشيطان ليست من التعاليم الإلهية، بل من تلوّث قلب الإنسان، وعلى أيّة حال فهذه الوساوس تزول عن قلوب المؤمنين ويبقى صفاء الوحي الموجب للهداية والإرشاد.
٣ ـ الإستفادة تكون بقدر الإستعداد واللياقة!
يستفاد من هذه الآية ـ أيضاً ـ أنّ مبدأ الفيض الإلهي لا يقوم على البخل والحدود الممنوعة، كما أنّ السحاب يسقط أمطاره في كلّ مكان بدون قيد أو