وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ قُلْ مَن رَّبُّ السماوات والأرض ﴾
أمر الله تعالى نبيه ﷺ أن يقول للمشركين :"قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ" ثم أمره أن يقول ( لهم ) : هو الله إلزاماً للحجة إن لم يقولوا ذلك، وجهلوا مَن هو.
﴿ قُلْ أفاتخذتم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ﴾ هذا يدلّ على اعترافهم بأن الله هو الخالق ( وإلا ) لم يكن للاحتجاج بقوله :﴿ قُلْ أفاتخذتم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ﴾ معنى ؛ دليله قوله :﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله ﴾ [ لقمان : ٢٥ ] أي فإذا اعترفتم فَلِمَ تعبدون غيره؟ا وذلك الغير لا ينفع ولا يضرّ ؛ وهو إلزام صحيح.
ثم ضرب لهم مثلاً فقال :﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير ﴾ فكذلك لا يستوي المؤمن الذي يبصر الحق، والمشرك الذي لا يبصر الحق.
وقيل : الأعمى مَثَلٌ لما عبدوه من دون الله، والبصير مَثَلُ الله تعالى :﴿ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظلمات والنور ﴾ أي الشرك والإيمان.
وقرأ ابن محيصِن وأبو بكر والأعمش وحمزة والكسائي "يستوِي" بالياء لتقدم الفعل ؛ ولأن تأنيث "الظلمات" ليس بحقيقي.
الباقون بالتاء ؛ واختاره أبو عبيد، قال : لأنه لم يحل بين المؤنث والفعل حائل.
و"الظلمات والنور" مثل الإيمان والكفر ؛ ونحن لا نقف على كيفية ذلك.
﴿ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ ﴾ هذا من تمام الاحتجاج ؛ أي خَلَق غير الله مثل خلقه فتشابه الخلق عليهم، فلا يدرون خلق الله من خلق آلهتهم.
﴿ قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ أي قل لهم يا محمد :"اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ"، فلزم لذلك أن يعبده كل شيء.
والآية ردّ على المشركين والقَدَرية الذين زعموا أنهم خلقوا كما خلق الله.
﴿ وَهُوَ الواحد ﴾ قبل كل شيء.
﴿ القهار ﴾ الغالب لكل شيء، الذي يغلب في مراده كل مريد.