﴿ كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل ﴾ أي مثل الحق والباطل ﴿ فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَاءً ﴾ حال أي متلاشياً وهو ما تقذفه القدر عند الغليان والبحر عند الطغيان والجفء الرمي وجفأت الرجل صرعته ﴿ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس ﴾ من الماء والحلي والأواني ﴿ فَيَمْكُثُ فِي الأرض ﴾ فيثبت الماء في العيون والآبار والحبوب والثمار وكذلك الجواهر تبقى في الأرض مدة طويلة ﴿ كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال ﴾ ليظهر الحق من الباطل وقيل هذا مثل ضربه الله للحق وأهله والباطل وحزبه فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به أودية الناس فيحيون به وينفعهم بأنواع المنافع وبالفلز الذي ينتفعون به في صوغ الحلي منه واتخاذ الأواني والآلات المختلفات وإن ذلك ماكث في الأرض باقٍ بقاء ظاهراً يثبت الماء في منافعه وكذلك الجواهر تبقى أزمنة متطاولة.
وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله ووشك زواله بزبد السيل الذي يرمي به.
وبزبد الفلز الذي يطفو فوقه إذا أذيب.
قال الجمهور وهذا مثل ضربه الله تعالى للقرآن والقلوب والحق والباطل فالماء القرآن نزل لحياة الجنان كالماء للأبدان والأدوية للقلوب.
ومعنى ﴿ بقدرها ﴾ بقدر سعة القلب وضيقه، والزبد هواجش النفس ووساوس الشيطان، والماء الصافي المنتفع به مثل الحق فكما يذهب الزبد باطلاً ويبقى صفو الماء كذلك تذهب هواجس النفس ووساوس الشيطان ويبقى الحق كما هو وأما حلية الذهب والفضة فمثل للأحوال السنية والأخلاق الزكية وأما متاع الحديد والنحاس والرصاص فمثل للأعمال الممدة بالإخلاص المعدة للخلاص فإن الأعمال جالبة للثواب دافعة للعقاب كما أن تلك الجواهر بعضها أداة النفع في الكسب وبعضها آلة الدفع في الحرب وأما الزبد فالرياء والخلل والملل والكسل.


الصفحة التالية
Icon