وقال ابن جزى :
﴿ تِلْكَ آيات الكتاب ﴾
أي آيات هذه السورة ويحتمل أن يريد آيات الكتب على الإطلاق، ويحتمل أن يريد القرآن على الإطلاق، وهذا بعيد لتكرار القرآن بعد ذلك ﴿ والذي أُنزِلَ إِلَيْكَ ﴾ يعني القرآن وإعرابه مبتدأ وخبره الحق ﴿ بِغَيْرِ عَمَدٍ ﴾ أي بغير شيء تقف إلا قدرة الله ﴿ تَرَوْنَهَا ﴾ قيل : الضمير للسموات، وترونها على هذا في موضع الحال أو استئنافاً، وقيل : الضمير للعَمَد أي ليس لها عمد مرئية فيقتضي المفهوم من أن لها عَمداً لا تُرى، وقال الجمهور : لا عمد لها البتة، فالمراد نفي العمد ونفي رؤيتها ﴿ ثُمَّ استوى عَلَى العرش ﴾ ثم هنا لترتيب الأخبار، لا لترتيب وقوع الأمر، فإن العرش كان قبل خلق السموات، وتقدّم الكلام على الاستواء في [ الأعراف : ٥٣ ] ﴿ يُدَبِّرُ الأمر ﴾ يعني أمر الملكوت ﴿ يُفَصِّلُ الآيات ﴾ يعني آيات كتبه.
﴿ مَدَّ الأرض ﴾ يقتضي أنها بسيطة لا مكورة، وهو ظاهر الشريعة، وقد يترتب لفظ البسط والمدّ من التكوير ؛ لأن كل قطعة من الأرض ممدودة على حدتها، وإنما التكوير لجملة الأرض ﴿ رواسى ﴾ يعني الجبال الثابتة ﴿ زَوْجَيْنِ اثنين ﴾ يعني صنفين من الثمر : كالأسود والأبيض، والحلو والحامض، فإن قيل : تقتضي الآية أنه تعالى خلق من كل ثمرة صنفين، وقد خلق من كثير من الثمرات أصنافَ كثيرةً، والجواب : أن ذلك زيادة في الاعتبار، وأعظم في الدلالة على القدرة، فذكر الاثنين، لأن دلالة غيرهما من باب أولى، وقيل : إن الكلام تم في قوله :﴿ وَمِن كُلِّ الثمرات ﴾ ثم ابتدأ بقوله :﴿ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ﴾ يعني الذكر والأنثى والأول أحسن ﴿ يُغْشِى اليل النهار ﴾ أي يلبسه إياه فيصير له كالغشاء، وذلك تشبيه.


الصفحة التالية
Icon