وقوله تعالى ﴿ فاحتمل السيل زبداً ﴾ الزبد ما يعلو على وجه الماء عند الزيادة، كالحبب وكذلك ما يعلو على القدر عند غليانها والمعنى فاحتمل السيل الذي حدث من ذلك الماء زبداً ﴿ رابياً ﴾ يعني عالياً مرتفعاً فوق الماء طافياً عليه، وهاهنا تم المثل ثم ابتدأ بمثل آخر فقال تعالى ﴿ ومما يوقدون عليه في النار ﴾ الايقاد جعل الحطب في النار لتتقد تلك النار تحت الشيء ليذوب ﴿ ابتغاء حلية ﴾ يعني لطلب زينة، والضمير في قوله عليه يعود على الذهب والفضة، وإن لم يكونا مذكورين لأن الحلية لا تطلب إلا منهما ﴿ أو متاع ﴾ يعني أو لطلب متاع آخر مما ينتفع به كالحديد والنحاس والرصاص ونحوه مما يذاب وتتخذ منه الأواني وغيرها مما ينتفع له، والمتاع كل ما ويتمتع به.
ويقال لكل ما ينتفع به في البيت كالطبق والقدر ونحو ذلك من الأواني : متاع ﴿ زبد مثله ﴾ يعني أن ذلك الذي يوقد عليه في النار إذا أذيب، فله أيضاً زبد مثل زبد الماء فالصافي من الماء ومن هذه الجواهر هو الذي ينتفع به وهو مثل الحق.
والزبد من الماء ومن هذه الجواهر وهو الذي لا ينتفع به، وهو مثل الباطل وهو قوله تعالى ﴿ كذلك يضرب الله الحق والباطل ﴾ فالحق هو الجوهر الصافي الثابت، والباطل هو الزبد الطافي الذي لا ينتفع به وهو قوله ﴿ فأما الزبد فيذهب جفاء ﴾ يعني ضائعاً باطلاً والجفاء ما رمى به الوادي من الزبد إلى جوانبه.
وقيل : الجفاء المتفرق يقال جفأت الريح الغيم إذا فرقته والمعنى أن الباطل وإن علا في وقت فإنه يضمحل ويذهب ﴿ وأما ما ينفع الناس ﴾ يعني الماء الصافي والجوهر الجيد من هذه الأجسام التي تذاب ﴿ فيمكث في الأرض ﴾ يعني يثبت ويبقى ولا يذهب ﴿ كذلك يضرب الله الأمثال ﴾ قال أهل التفسير والمعاني : هذا مثل ضربه الله للحق والباطل.


الصفحة التالية
Icon