قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وعمرو عن عاصم ﴿يَسْتَوِى الظلمات والنور﴾ بالياء، لأنها مقدمة على اسم الجمع والباقون بالتاء، واختاره أبو عبيدة ثم أكد هذا البيان فقال :﴿أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ﴾ يعني هذه الأشياء التي زعموا أنها شركاء لله ليس لها خلق يشبه خلق الله حتى يقولوا إنها تشارك الله في الخالقية، فوجب أن تشاركه في الإلهية، بل هؤلاء المشركون يعلمون بالضرورة أن هذه الأصنام لم يصدر عنها فعل ألبتة، ولا خلق ولا أثر، وإذا كان الأمر كذلك كان حكمهم بكونها شركاء لله في الإلهية محض السفه والجهل.
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أن أصحابنا استدلوا بهذه الآية في مسألة خلق الأفعال من وجوه.
الأول : أن المعتزلة زعموا أن الحيوانات تخلق حركات وسكنات مثل الحركات والسكنات التي يخلقها الله تعالى، وعلى هذا التقدير فقد جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه، ومعلوم أن الله تعالى إنما ذكر هذه الآية في معرض الذم والإنكار.
فدلت هذه الآية على أن العبد لا يخلق فعل نفسه.
قال القاضي : نحن وإن قلنا : إن العبد يفعل ويحدث، إلا أنا لا نطلق القول بأنه يخلق ولو أطلقناه لم نقل إنه يخلق كخلق الله، لأن أحدنا يفعل بقدرة الله، وإنما يفعل لجلب منفعة ودفع مضرة، والله تعالى منزه عن ذلك كله، فثبت أن بتقدير كون العبد خالقاً، إلا أنه لا يكون خلقه كخلق الله تعالى، وأيضاً فهذا الإلزام لازم للمجبرة، لأنهم يقولون عين ما هو خلق الله تعالى فهو كسب العبد وفعل له، وهذا عين الشرك لأن الإله والعبد في خلق تلك الأفعال بمنزلة الشريكين اللذين لا مال لأحدهما إلا وللآخر فيه حق.


الصفحة التالية
Icon