فصل


قال الفخر :
ثم قال تعالى :﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى﴾
فهذا إشارة إلى المثل المتقدم ذكره وهو أن العالم بالشيء كالبصير، والجاهل به كالأعمى، وليس أحدهما كالآخر، لأن الأعمى إذا أخذ يمشي من غير قائد، فالظاهر أنه يقع في البئر وفي المهالك، وربما أفسد ما كان على طريقه من الأمتعة النافعة، أما البصير فإنه يكون آمناً من الهلاك والإهلاك.
ثم قال :﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب﴾ والمراد أنه لا ينتفع بهذه الأمثلة إلا أرباب الألباب الذين يطلبون من كل صورة معناها، ويأخذون من كل قشرة لبابها ويعبرون بظاهر كل حديث إلى سره ولبابه.
﴿ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ﴾
اعلم أن هذه الآية هل هي متعلقة بما قبلها أم لا ؟ فيه قولان :
القول الأول : إنها متعلقة بما قبلها، وعلى هذا التقدير ففيه وجهان : الأول : أنه يجوز أن يكون قوله :﴿الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله﴾ صفة لأولي الألباب.
والثاني : أن يكون ذلك صفةً لقوله :﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ الحق﴾ [ الرعد : ١٩ ].
والقول الثاني : أن يكون قوله :﴿الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله﴾ مبتدأ :﴿وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ عقبى الدار﴾ خبره كقوله :﴿والذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله...
أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللعنة﴾
[ الرعد : ٢٥ ] واعلم أن هذه الآية من أولها إلى آخرها جملة واحدة : شرط وجزاء، وشرطها مشتمل على قيود، وجزاؤها يشتمل أيضاً على قيود.
أما القيود المعتبرة في الشرط فهي تسعة :


الصفحة التالية