والمتأمل لكل ذلك يعلم أن كل تلك الأمور تقتضي الصبر ؛ وكأن الصبر يسبق كل هذه الأشياء، وهو القاسم المشترك في كل عهد من العهود السابقة.
وقد عبر الحق سبحانه لأجل هذه اللفْتة بالماضي حين جاء حديث الملائكة لهم وهم في الجنة.
وهكذا تقع كلمة الصبر في موقعها ؛ لأن الملائكة تخاطبهم بهذا القول وهم في دار البقاء ؛ ولأن المتكلم هو الله ؛ فهو يُوضِّح لنا جمال ما يعيش فيه هؤلاء المؤمنون في الدار الآخرة.
ويُذيِّل الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله :﴿... فَنِعْمَ عقبى الدار ﴾ [ الرعد : ٢٤ ]
وعلمنا أن " عُقْبى " تعني الأمر الذي يجيء في العَقِب، وحين يعرض سبحانه القضية الإيمانية وصفات المؤمنين المعايشين للقيم الإيمانية ؛ فذلك بهدف أن تستشرفَ النفس أن تكون منهم، ولابُدّ أن تنفِرَ النفس من الجانب المقابل لهم.
والمثل هو قول الحق سبحانه :﴿ إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ ﴾ [ الانفطار : ١٣ ]
ويأتي بمقابلها بعدها :﴿ وَإِنَّ الفجار لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [ الانفطار : ١٤ ]
وساعة تقارن بأنهم لو لم يكونوا أبراراً ؛ لَكَانوا في جحيم ؛ هنا نعرف قَدْر نعمة توجيه الحق لهم، ليكونوا من أهل الإيمان.
وهكذا نجد أنفسنا أمام أمرين : سلب مَضرَّة ؛ وجَلْب منفعة، ولذلك يقول الحق سبحانه أيضاً عن النار :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ [ مريم : ٧١ ]
أي : كلنا سنرى النار.
ويقول سبحانه :﴿ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين ﴾ [ التكاثر : ٧ ]
وذلك لكي يعرف كل مسلم ماذا صنعتْ به نعمة الإيمان ؛ قبل أن يدخل الجنة، وبذلك يعلم أن الله سلب منه مَضرَّة ؛ وأنعم عليه بمنفعة، سلب منه ما يُشقِى ؛ وأعطاه ما يُفيد.
ولذلك يقول الحق سبحانه :﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ... ﴾ [ آل عمران : ١٨٥ ]. أ هـ ﴿تفسير الشعراوى صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon