وقال أبو السعود :
﴿ والذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله ﴾
أريد بهم مَنْ يقابل الأولين ويعاندهم في الاتصاف بنقائض صفاتِهم ﴿ مِن بَعْدِ ميثاقه ﴾ من بعدما أوثقوه من الاعتراف والقَبول ﴿ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ ﴾ من الأيمان بجميع الأنبياءِ المجمعين على الحق حيث يؤمنون ببعضهم ويكفرون ببعضهم، ومن حقوق الأرحام وموالاةِ المؤمنين وغيرِ ذلك مما لا يراعون حقوقَه من الأمور المعدودةِ فيما سلف، وإنما لم يتعرّض لنفي الخشيةِ والخوفِ عنهم صريحاً لِدلالة النقضِ والقطع على ذلك، وأما عدمُ التعرض لنفي الصبرِ المذكور فلأنه إنما اعتبر تحققُه في ضمن الحسناتِ المعدودةِ ليقَعْنَ معتدًّا بهن فلا وجه لنفيه عمّن بينه وبين الحسناتِ بعدُ المشرِقين، كما لا وجه لنفي الصلاةِ والزكاة ممن لا يحوم حول أصلِ الإيمان بالله تعالى فضلاً عن فروع الشرائعِ، وإن أريد بالإنفاق التطوعُ فنفيُه مندرجٌ تحت قطعِ ما أمر الله تعالى بوصله، وأما درءُ السيئة بالحسنة فانتفاؤه عنهم ظاهرٌ مما سبق ولحِق فإن مَنْ يجازي إحسانَه عز وجل بنقض العهد ومخالفةِ الأمر ويباشر الفسادَ بدءاً حسبما يحكيه قوله عز وعلا :﴿ وَيُفْسِدُونَ فِى الأرض ﴾ أي بالظلم وتهييج الفتنِ كيف يتصور منه مجازاةُ الإساءة بالإحسان على أن ذلك يُشعر بأن له دخلاً في الإفضاء إلى العقوبة التي ينبىء عنها قوله تعالى :﴿ أولئك ﴾ الخ، أي أولئك الموصوفون بما ذكر من القبائح ﴿ لَهُمْ ﴾ بسبب ذلك ﴿ اللعنة ﴾ أي الإبعادُ من رحمة الله تعالى ﴿ وَلَهُمْ ﴾ مع ذلك ﴿ سُوء الدار ﴾ أي سوءُ عاقبة الدنيا أو عذابُ جهنم فإنها دارُهم، لأن ترتيبَ الحكمِ على الموصول مُشعرٌ بعلّية الصلةِ له، ولا يخفى أنه لا دخلَ له في ذلك على أكثر التفاسير، فإن مجازاةَ السيئةِ بمثلها مأذونٌ فيها.