وقال الآلوسى :
﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ ﴾
أريد بهم من يقابل الأولين ويعاندهم بالاتصاف بنقائص أوصافهم ﴿ مِن بَعْدِ ميثاقه ﴾ الاعتراف به، قيل : المراد بالعهد قوله سبحانه :﴿ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ] وبالميثاق ما هو اسم آلة أعني ما يوثق به الشيء وأريد به الاعتراف بقول :﴿ بلى ﴾ وقد يسمى العهد من الطرفين ميثاقاً لتوثيقه بين المتعاهدين ؛ وفسر الإمام عهد الله تعالى بما ألزمه عباده بواسطة الدلائل العقلية لأن ذلك أوكد كل عهد وكل أيمان إذ الأيمان إنما تفيد التوكيد بواسطة الدلائل الدالة على أنها توجب الوفاء بمقتضاها، ثم قال : والمراد من نقضها أن لا ينظر المرء فيها فلا يمكنه حينئذٍ العمل بموجبها أو بأن ينظر ويعلم صحتها ثم يعاند فلا يعمل بعلمه أو بأن ينظر في الشبه فلا يعتقد الحق، والمراد بقوله سبحانه :﴿ مِن بَعْدِ ميثاقه ﴾ من بعد أن أوثق إليه تلك الأدلة وأحكامها لأنه لا شيء أقوى مما دل الله تعالى على وجوبه في أنه ينفع فعله ويضر تركه.
وأورد أنه إذا كان العهد لا يكون إلا بالميثاق فما فائدة ﴿ مِن بَعْدِ ميثاقه ﴾ ؟ وأجاب بأنه لا يمتنع أن يكون المراد مفارقة من تمكن من معرفته بالحلف لمن لم يتمكن أو لا يمتنع أن يكون المراد الأدلة المؤكدة لأنه يقال : قد تؤكد إليك بدلائل أخرى سواء كانت عقلية أو سمعية اه ولا يخفى أنه إذا أريد بالعهد ذلك القول وبالميثاق الاعتراف به لم يحتج إلى القيل والقال، وحمل بعضهم العهد هنا على سائر ما وصى الله تعالى به عباده كالعهد فيما سبق والميثاق على الإقرار والقبول.