وأما عدم التعرض لنفي الصبر المذكور فلأنه إنما اعتبر تحققه في ضمن الحسنات المعدودة ليقعن معتداً بهن فلا وجه لنفيه عمن بينه وبين الحسنات بعد المشرقين لا سيما بعد تقييده بكونه ابتغاء وجهه تعالى، كما لا وجه لنفي الصلاة والإنفاق بناءً على أن المراد منه إعطاء الزكاة ممن لا يحوم حول الإيمان بالله تعالى فضلاً عن فروع الشرائع، وإن أريد بالإنفاق ما يشمل ذلك وغيره فنفيه مندرج تحت قطع ما أمر الله تعالى بوصله بل قد يقال باندراج نفي الصلاة أيضاً تحت ذلك، وأما درء السيئة بالحسنة فانتفاؤه عنهم ظاهر مما سبق ولحق فإن من يجازي إحسانه عز وجل بنقض عهده سبحانه ومخالفة الأمر ويباشر الفساد حسبما يحكيه قوله عز وجل :﴿ وَيُفْسِدُونَ فِى الأرض ﴾ بالظلم لأنفسهم وغيرهم وتهييج الفتن بمخالفة دعوة الحق وإثارة الحرب على المسلمين كيف يتصور منه الدرء المذكور، على أنه قيل : إن ذلك يشعر بأن له دخلاً في الإفضاء إلى العقوبة التي ينبىء عنها قوله سبحانه :﴿ أولئك ﴾ الخ أي أولئك الموصوفون بتلك القبائح ﴿ لَهُمْ ﴾ بسبب ذلك ﴿ اللعنة ﴾ أي الإبعاد من رحمة الله تعالى ﴿ وَلَهُمْ ﴾ مع ذلك ﴿ سُوء الدار ﴾ أي سوء عاقبة الدار، والمراد بها الدنيا وسوء عاقبتها عذاب جهنم أو جهنم نفسها، ولم يقل : سوء عاقبة الدار تفادياً أن يجعلها عاقبة حيث جعل العاقبة المطلقة هي الجنة، وجوز أن يراد بالدار جهنم وبسوئها عذابها، والأول أوجه لرعاية التقابل ولأن المبادر إلى الفهم من الدار الدنيا بقرينة السابق ولأنها الحاضر في أذهانهم ولما ذكر من النكتة السرية وذلك لأن ترتيب الحكم على الموصول يشعر بعلية الصلة له، ولا يخفى أنه لا دخل له في ذلك على أكثر التفاسير فإن مجازاة السيئة بمثلها مأذون فيها، ودفع الكلام السيء بالحسن وكذا الإعطاء عند المنع والعفو عند الظلم والوصل عند القطع ليس مما يورث تركه تبعة ؛ وأما ما اعتبر اندراجه تحت الصلة الثانية من