إذا عرفت هذا فنقول : ذكروا في تفسيره وجوهاً : الأول : أن المراد منه صلة الرحم قال عليه السلام :" ثلاث يأتين يوم القيامة لها ذلق الرحم تقول : أي رب قطعت، والأمانة تقول : أي رب تركت، والنعمة تقول : أي رب كفرت "
والقول الثاني : أن المراد صلة محمد ﷺ ومؤازرته ونصرته في الجهاد.
والقول الثالث : رعاية جميع الحقوق الواجبة للعباد، فيدخل فيه صلة الرحم وصلة القرابة الثابتة بسبب أخوة الإيمان كما قال :﴿إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ﴾ [ الحجرات : ١٠ ] ويدخل في هذه الصلة امدادهم بإيصال الخيرات ودفع الآفات بقدر الإمكان وعيادة المريض وشهود الجنائز وإفشاء السلام على الناس والتبسم في وجوههم وكف الأذى عنهم ويدخل فيه كل حيوان حتى الهرة والدجاجة، وعن الفضيل بن عياض رحمه الله أن جماعة دخلوا عليه بمكة فقال : من أين أنتم ؟ قالوا : من خراسان.
فقال : اتقوا الله وكونوا من حيث شئتم، واعلموا أن العبد لو أحسن كل الإحسان وكان له دجاجة فأساء إليها لم يكن من المحسنين، وأقول حاصل الكلام : أن قوله :﴿الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله وَلاَ يِنقُضُونَ الميثاق﴾ إشارة إلى التعظيم لأمر الله وقوله :﴿والذين يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ إشارة إلى الشفقة على خلق الله.
القيد الرابع : قوله :﴿وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ والمعنى : أنه وإن أتى بكل ما قدر عليه في تعظيم أمر الله، وفي الشفقة على خلق الله إلا أنه لا بد وأن تكون الخشية من الله والخوف منه مستولياً على قلبه وهذه الخشية نوعان : أحدهما : أن يكون خائفاً من أن يقع زيادة أو نقصان أو خلل في عباداته وطاعاته، بحيث يوجب فساد العبادة أو يوجب نقصان ثوابها.
والثاني : وهو خوف الجلال وذلك لأن العبد إذا حضر عند السلطان المهيب القاهر فإنه وإن كان في غير طاعته إلا أنه لا يزول عن قلبه مهابة الجلالة والرفعة والعظمة.


الصفحة التالية
Icon