فمن المراد به المضي في الصلة ﴿ الذين قال لهم الناس ﴾ ومن المراد به الاستقبال ﴿ إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ﴾ ويظهر أيضاً أن اختصاص هذه الصلة بالماضي وتينك بالمضارع، أن تينك الصلتين قصد بهما الاستصحاب والالتباس دائماً، وهذه الصلة قصد بها تقدمها على تينك الصلتين، وما عطف عليهما، لأنّ حصول تلك الصلات إنما هي مترتبة على حصول الصبر وتقدمه عليها، ولذلك لم تأت صلة في القرآن إلا بصيغة الماضي، إذ هو شرط في حصول التكاليف وإيقاعها والله أعلم.
وانتصب ابتغاء قيل : على أنه مصدر في موضع الحال، والأولى أن يكون مفعولاً لأجله أي : إنّ صبرهم هو لابتغاء وجه الله خالصاً، لا لرجاء أن يقال : ما أصبره، ولا مخافة أن يعاب بالجزع، أو تشمت به الأعداء، كما قال :
وتجلدي للشامتين أريهم...
أني لريب الدهر لا أتضعضع
ولأنّ الجزع لا طائل تحته، أو يعلم أنه لا مرد لما فات ولا لما وقع.
والظاهر في معنى الوجه هنا جهة الله أي : الجهة التي تقصد عنده تعالى بالحسنات لتقع عليها المثوبة، كما تقول : خرج زيد لوجه كذا.
ونبه على هاتين الخصلتين : العبادة البدنية، والعبادة المالية، إذ هما عمود الدين، والصبر عليهما أعظم صبر لتكرر الصلوات، ولتعلق النفوس بحب تحصيل المال.
ونبه على حالتي الإنفاق، فالسر أفضل حالات إنفاق التطوع كما جاء في "السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها" والعلانية أفضل حالات إنفاق الفروض، لأنّ الإظهار فيها أفضل.
وقال الزمخشري : مما رزقناهم من الحلال، لأنّ الحرام لا يكون رزقاً، ولا يسند إلى الله انتهى.
وهذا على طريق المعتزلة.
وللسلف هنا في الصبر أقوال متقاربة.
قال ابن عباس : صبروا على أمر الله.
وقال أبو عمران الجوني : صبروا على دينهم.
وقال عطاء : صبروا على الرزايا والمصائب.
وقال ابن زيد : صبروا على الطاعة وعن المعصية، ويدرؤون يدفعون.