قال النبي : يا معاذ اتّق الله حيث كنت وأتبع السيئة الحسنة تمْحُها.
وخاصة فيما بينه وبين ربه.
ويصدق بأن لا يقابل من فعل معه سيّئة بمثله بل يقابل ذلك بالإحسان، قال تعالى :﴿ ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ﴾ [ سورة فصلت : ٣٤ ] بأن يصل من قطعه ويعطي من حرمه ويعفو عمن ظلمه وذلك فيما بين الأفراد وكذلك بين الجماعات إذ لم يفض إلى استمرار الضر.
قال تعالى في ذلك :﴿ إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ﴾ [ سورة الأنفال : ٣ ].
ويصدق بالعدول عن فعل السيئة بعد العزم فإن ذلك العدول حسنة دَرَأت السيّئة المعزوم عليه.
قال النبي عليه الصلاة والسلام : من همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له حسنة.
فقد جمع يدرءون } جميعَ هذه المعاني ولهذا لم يعقب بما يقتضي أن المراد معاملة المُسيء بالإحسان كما أُتبع في قوله :﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن ﴾ في سورة فصلت ( ٣٤ ).
وكما في قوله ﴿ ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون ﴾ في سورة المؤمنون ( ٩٦ ).
وجملة أولئك لهم عقبى الدار } خبر عن ﴿ الذين يوفون بعهد الله ﴾.
ودل اسم الإشارة على أن المشار إليهم جديرون بالحكم الوارد بعد اسم الإشارة لأجل ما وصف به المشار إليهم من الأوصاف، كما في قوله :﴿ أولئك على هدى من ربهم ﴾ في أول سورة البقرة ( ٥ ).
ولهم عقبى الدار } جملة خبراً عن اسم الإشارة.
وقدم المجرور على المبتدأ للدلالة على القصر، أي لهم عقبى الدار لا للمتصفين بإضداد صفاتهم، فهو قصر إضافي.
والعقبى : العاقبة، وهي الشيء الذي يعقُب، أي يقع عقب شيء آخر.
وقد اشتهر استعمالها في آخرة الخير، قال تعالى :﴿ والعاقبة للمتقين ﴾ [ سورة القصص : ٨٣ ].
ولذلك وقعت هنا في مقابلة ضدها في قوله :﴿ ولهم سوء الدار ﴾ [ سورة غافر : ٥٢ ].