ولابد أن حاجبَ معاوية كان يعلم أن معاوية بن أبي سفيان لا إخوةَ له، لكنه لم يَشَأْ أنْ يتدخَّل فيما يقوله الرجل ؛ وقال معاوية لحاجبه : ألاَ تعرف إخوتي؟ فقال الحاجب : هكذا يقول الرجل. فأذِنَ معاويةُ للرجل بالدخول ؛ وسأله : أي إخوتي أنت؟ أجاب الرجل : أخوك في آدم. قال معاوية : رَحِم مقطوعة ؛ والله لأكون أوَّلَ من يَصلها.
والتقى الفضيل بن عياض بجماعة لهم عنده حاجة ؛ وقال لهم : من أين أنتم؟ قالوا : من خُراسان. قال : اتقوا الله، وكونوا من حيث شِئْتم.
وقد أمرنا سبحانه أن نَصِلَ الأهل أولاً ؛ ثم الأقارب ؛ ثم الدوائر الأبعد فالأبعد ؛ ثم الجار، وكُلُّ ذلك لأنه سبحانه يريد الالتحام بين الخلق ؛ ليستطرق النافع لغير النافع، والقادر لغير القادر، فهناك جارك وقريبك الفقير إنْ وصلْتَه وصلَك الله.
ولذلك يأمر الحق سبحانه رسوله ﷺ ومِنْ خلاله يأمر كل مؤمن برسالته :﴿ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المودة فِي القربى... ﴾ [ الشورى : ٢٣ ]
وقال بعض مَنْ سمعوا هذه الآية : قُرْباك أنت في قُرْباك.
وقال البعض الآخر : لا، القربى تكون في الرسول ﷺ ؛ لأن القرآن قال في محمد ﷺ :﴿ النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ... ﴾ [ الأحزاب : ٦ ]
وهكذا تكون قرابة الرسول أولى لكل مؤمن من قرابته الخاصة.
يستمر قول الحق سبحانه في وصف أُولِي الألباب :﴿... وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ﴾ [ الرعد : ٢١ ]
والخشية تكون من الذي يمكن أن يُصيب بمكروه ؛ ولذلك جعل الحق هنا الخشية منه سبحانه ؛ أي : أنهم يخافون الله مالكهم وخالقهم ومُربِّيهم ؛ خوف إجلال وتعظيم.
وجعل سبحانه المخاف من سوء العذاب ؛ وأنت تقول : خِفْتُ زيداً، وتقول : خِفْتُ المرض، ففيه شيء تخافه ؛ وشيء يُوَقِع عليك ما تخافه.


الصفحة التالية
Icon