هذا تمام كلام أبي علي وقوله :( أناب ) أي أقبل إلى الحق وحقيقته دخل في نوبة الخير.
﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (٢٩) ﴾
اعلم أن قوله :﴿الذين آمنوا﴾ بدل من قوله :﴿من أناب﴾ قال ابن عباس : يريد إذا سمعوا القرآن خشعت قلوبهم واطمأنت.
فإن قيل : أليس أنه تعالى قال في سورة الأنفال :﴿إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم﴾ [ الأنفال : ٢ ] والوجل ضد الاطمئنان، فكيف وصفهم ههنا بالاطمئنان ؟ والجواب من وجوه : الأول، أنهم إذا ذكروا العقوبات ولم يأمنوا من أن يقدموا على المعاصي فهناك وصفهم بالوجل، وإذا ذكروا وعده بالثواب والرحمة، سكنت قلوبهم إلى ذلك، وأحد الأمرين لا ينافي الآخر، لأن الوجل هو بذكر العقاب والطمأنينة بذكر الثواب، ويوجد الوجل في حال فكرهم في المعاصي، وتوجد الطمأنينة عند اشتغالهم بالطاعات.
الثاني : أن المراد أن علمهم بكون القرآن معجزاً يوجب حصول الطمأنينة لهم في كون محمد ﷺ نبياً حقاً من عند الله.
أما شكهم في أنهم أتوا بالطاعات على سبيل التمام والكمال فيوجب حصول الوجل في قلوبهم.
الثالث : أنه حصلت في قلوبهم الطمأنينة في أن الله تعالى صادق في وعده ووعيده، وأن محمداً ﷺ صادق في كل ما أخبر عنه، إلا أنه حصل الوجل والخوف في قلوبهم أنهم هل أتوا بالطاعة الموجبة للثواب أم لا، وهل احترزوا عن المعصية الموجبة للعقاب أم لا.
واعلم أن لنا في قوله :﴿ألا بذكر تطمئن القلوب﴾ أبحاثاً دقيقة غامضة وهي من وجوه :


الصفحة التالية
Icon