وكلمة " ربي " تنسجم مع كلمة " الرحمن " الذي يُنعِم بالنعم كلها ؛ وهو المُتولِّي تربيتي ؛ ولو لم يفعل سِوَى خَلْقي وتربيتي ومَدّي بالحياة ومُقوِّماتها ؛ لَكانَ يكفي ذلك لأعبده وحده ولا أشرك به أحداً.
ولو أن الإنسان قد أشرك بالله ؛ لالتفتَ مرة لذلك الإله ؛ ومرة أخرى للإله الآخر ؛ ومرة ثالثة للإله الثالث وهكذا، وشاء الله سبحانه أن يريح الإنسان من هذا التشتت بعقيدة التوحيد.
ويأتي القرآن ليُطمئن القلوب أيضاً وليذكر :﴿ ضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الحمد للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [ الزمر : ٢٩ ]
وهكذا يعرض لنا القرآن صورتين :
الصورة الأولى : لرجل يملكه أكثر من سيد، يعارضون بعضهم البعض.
والصورة الثانية : لرجل آخر، يملكه سيد واحد.
ولابُدَّ للعقل أن يعلمَ أن السيد الواحد افضل من الأسياد المتعددين ؛ لأن تعدُّد الأسياد فساد وإفساد، يقول الحق سبحانه :﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ الله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٢٢ ]
والعاقل هو مَنْ لا يُسلِّم نفسه إلا لسيّد واحد يثق أنه أمين عليه، ونحن في حياتنا نقول : ما يحكم به فلان أنا أرضى به ؛ وقد وَكَلْته في كذا. ولا أحد مِنّا يُسلِّم نفسه إلا لمَنْ يرى أنه أمين على هذا الإسلام، ولابُدَّ أن يكون أمينا وقوياً، ويقدر على تنفيذ مطلوبه.
والرسول ﷺ في المعركة العنيفة مع صناديد قريش قال :" إنِّي متوكل على الله "، وهذه شهادة منه على أنه توكل على القوي الأمين الحكيم ؛ والرسول لم يَقُلْ توكلت عليه ؛ ولكنه قال :﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ... ﴾ [ الرعد : ٣٠ ]