وثانيها : أن العبادة غاية التعظيم، وذلك يدل على أن المرء مكلف بذلك.
وثالثها : أن عبادة الله تعالى لا تمكن إلا بعد معرفته ولا سبيل إلى معرفته إلا بالدليل، فهذا يدل على أن المرء مكلف بالنظر والاستدلال في معرفة ذات الصانع وصفاته، وما يجب ويجوز ويستحيل عليه.
ورابعها : أن عبادة الله واجبة، وهو يبطل قول نفاة التكليف، ويبطل القول بالجبر المحض.
وخامسها : قوله :﴿وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ﴾ وهذا يدل على نفي الشركاء والأنداد والأضداد بالكلية، ويدخل فيه إبطال قول كل من أثبت معبوداً سوى الله تعالى سواء قال : إن ذلك المعبود هو الشمس أو القمر أو الكواكب أو الأصنام والأوثان والأرواح العلوية أو يزدان وأهرمن على ما يقوله المجوس أو النور والظلمة على ما يقوله الثنوية.
وسادسها : قوله :﴿إِلَيْهِ ادعوا﴾ والمراد منه أنه كما وجب عليه الإتيان بهذه العبادات فكذلك يجب عليه الدعوة إلى عبودية الله تعالى وهو إشارة إلى نبوته.
وسابعها : قوله :﴿وَإِلَيْهِ مَابِ﴾ وهو إشارة إلى الحشر والنشر والبعث والقيامة فإذا تأمل الإنسان في هذه الألفاظ القليلة ووقف عليها عرف أنها محتوية على جميع المطالب المعتبرة في الدين.
﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (٣٧) ﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أنه تعالى شبه إنزاله حكماً عربياً بما أنزل إلى ما تقدم من الأنبياء، أي كما أنزلنا الكتب على الأنبياء بلسانهم، كذلك أنزلنا عليك القرآن.
والكناية في قوله :﴿أنزلناه﴾ تعود إلى "ما" في قوله :﴿يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ يعني القرآن.
المسألة الثانية :
قوله :﴿أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيّا﴾ فيه وجوه : الأول : حكمة عربية مترجمة بلسان العرب.


الصفحة التالية
Icon