ولما كان الجواب قطعاً : ليس كمثله شيء، كان كأنه قيل استعظاماً لهذا السؤال : من الذي توهم أن له مثلاً؟ فقيل : الذين كفروا به ﴿وجعلوا لله﴾ أي الملك الأعظم ﴿شركاء﴾ ويجوز أن يقدر ل " من " خبر معناه : لم يوحدوه، ويعطف عليه ﴿وجعلوا﴾، فكأنه قيل : فماذا يفعل بهم؟ فقيل :﴿قل سموهم﴾ بأسمائهم الحقيقية، فإنهم إذا سموهم وعرفت حقائقهم أنها حجارة أو غير ذلك مما هو مركز العجز ومحل الفقر، عرف ما هم عليه من سخافة العقول وركاكة الآراء، ثم قل لهم : أرجعتم عن ذلك إلى الإقرار بأنهم من جملة عبيده ﴿أم تنبئونه﴾ أي تخبرونه إخباراً عظيماً ﴿بما لا يعلم﴾ وعلمه محيط بكل شيء ﴿في الأرض﴾ من كونها آلهة ببرهان قاطع.
﴿أم بظاهر من القول﴾ أي بحجة إقناعية تقال بالفم، وكل ما لا يعلمه فليس بشيء، وهذا قريب مما مضى في قوله ﴿أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه﴾ [ الرعد : ١٦ ] في أنه لو كان كذلك كان شبهه فيها ظهور ما، وهذه الأساليب منادية على الخلق بالعجز، وصادحة بأنه ليس من كلام الخلق.
ولما كان التقدير : ليس لهم على شيء من ذلك برهان قاطع ولا قول ظاهر، بنى عليه قوله :﴿بل زين﴾ أي وقع التزيين بأمر من لا يرد أمره على يد من كان ﴿للذين كفروا﴾ أي لهم، وعبر بذلك تنبيهاً على الوصف الذي دلاهم إلى اعتقاد الباطل، وهو ستر ما أدى إليه برهان العقل المؤيد بدليل النقل ﴿مكرهم﴾ أي أمرهم الذي أرادوا به ما يراد بالمكر من إظهار شيء وإبطان غيره، وذلك أنهم أظهروا أن شركاءهم آلهة حقاً، وهم يعلمون بطلان ذلك، وليس بهم في الباطن إلا تقليد الآباء، وأظهروا أنهم يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى ولتشفع لهم، أو أنهم غيروا في وجه الحق بما ختلوا به الضعفاء وتمادى بهم الحال حتى اعتقدوه حقاً.


الصفحة التالية
Icon