ورابعها : قوله تعالى :﴿لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق﴾ أخبر عنهم أنهم سيقعون في عقاب الآخرة وإخبار الله ممتنع التغير وإذا امتنع وقوع التغير في هذا الخبر، امتنع صدور الإيمان منه وكل هذه الوجوه قد لخصناها في هذا الكتاب مراراً، قال القاضي :﴿ومن يضلل الله﴾ أي عن ثواب الجنة لكفره وقوله :﴿فما له من هاد﴾ منبيء بذلك أن الثواب لا ينال إلا بالطاعة خاصة فمن زاغ عنها لم يجد إليها سبيلا، وقيل : المراد بذلك من حكم بأنه ضال وسماه ضالاً، وقيل المراد من يضلله الله عن الإيمان بأن يجده كذلك، ثم قال والوجه الأول أقوى.
واعلم أن الوجه الأول ضعيف جداً لأن الكلام إنما وقع في شرح إيمانهم وكفرهم في الدنيا ولم يجز ذكر ذهابهم إلى الجنة ألبتة فصرف الكلام على المذكور إلى غير المذكور بعيد.
وأيضاً فهب أنا نساعد على أن الأمر كما ذكروه، إلا أنه تعالى لما أخبر أنهم لا يدخلون الجنة فقد حصل المقصود لأن خلاف معلوم الله ومخبره محال ممتنع الوقوع.
واعلم أنه تعالى لما أخبر عنهم بتلك الأمور المذكورة بين أنه جمع لهم بين عذاب الدنيا، وبين عذاب الآخرة الذي هو أشق، وأنه لا دافع لهم عنه لا في الدنيا ولا في الآخرة.


الصفحة التالية
Icon