وقال ابن عطية :
قوله :﴿ ولقد استهزىء ﴾ الآية،
هذه آية تأنيس للنبي عليه السلام، أي لا يضيق صدرك يا محمد بما ترى من قومك وتلقى منهم، فليس ذلك ببدع ولا نكير، قد تقدم هذا في الأمم و" أمليت لهم " أي مددت المدة وأطلت، والإملاء : الإمهال على جهة الاستدراج، وهو من الملاوة من الزمن، ومنه : تمليت حسن العيش. وقوله :﴿ فكيف كان عقاب ﴾ تقرير وتعجيب، في ضمنه وعيد للكفار المعاصرين لمحمد عليه السلام.
﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ ﴾
هذه الآية راجعة بالمعنى إلى قوله :﴿ وهم يكفرون بالرحمن، قل هو ربي لا إله إلا هو ﴾ [ الرعد : ٣٠ ] والمعنى :﴿ أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ﴾ أحق بالعبادة أم الجمادات التي لا تنفع ولا تضر؟ - هذا تأويل - ويظهر أن القول مرتبط بقوله :﴿ وجعلوا لله شركاء ﴾ كأن المعنى : أفمن له القدرة والوحدانية ويجعل له شريك أهل أن ينتقم ويعاقب أم لا؟.
و" الأنفس " من مخلوقاته وهو قائم على الكل أي محيط به لتقرب الموعظة من حس السامع. ثم خص من أحوال الأنفس حال كسبها ليتفكر الإنسان عند نظر الآية في أعماله وكسبه.
وقوله :﴿ قل سموهم ﴾ أي سموا من له صفات يستحق بها الألوهية ثم أضرب القول وقرر : هل تعلمون الله ﴿ بما لا يعلم ﴾ ؟.
وقرأ الحسن :" هل تنْبئونه " بإسكان النون وتخفيف الباء و﴿ أم ﴾ هي بمعنى : بل، وألف الاستفهام - هذا مذهب سيبويه - وهي كقولهم : إنها لإبل أم شاء.
ثم قررهم بعد، هل يريدون تجويز ذلك بظاهر من الأمر، لأن ظاهر الأمر له إلباس ما وموضع من الاحتمال، وما لم يكن إلا بظاهر القول فقط فلا شبهة له.