المسألة الثانية :
المراد بالكافر الجنس كقوله تعالى :﴿إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ﴾ [ العصر : ٢ ] والمعنى : إنهم وإن كانوا جهالاً بالعواقب فسيعلمون لمن العاقبة الحميدة، وذلك كالزجر والتهديد.
والقول الثاني : وهو قول عطاء يريد المستهزئين وهم خمسة، والمقتسمين وهم ثمانية وعشرون.
والقول الثالث : وهو قول ابن عباس يريد أبا الجهل.
والقول الأول هو الصواب.
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (٤٣) ﴾
اعلم أنه تعالى حكى عن القوم أنهم أنكروا كونه رسولاً من عند الله.
ثم إنه تعالى احتج عليهم بأمرين : الأول : شهادة الله على نبوته، والمراد من تلك الشهادة أنه تعالى أظهر المعجزات الدالة على كونه صادقاً في ادعاء الرسالة، وهذا أعلى مراتب الشهادة لأن الشهادة قول يفيد غلبة الظن بأن الأمر كذلك.
أما المعجز فإنه فعل مخصوص يوجب القطع بكونه رسولاً من عند الله تعالى، فكان إظهار المعجزة أعظم مراتب الشهادة.
والثاني : قوله :﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب﴾ وفيه قراءتان : إحداهما : القراءة المشهورة :﴿وَمَنْ عِندَهُ﴾ يعني والذي عنده علم الكتاب.
والثانية :﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب﴾ وكلمة "من" ههنا لابتداء الغاية أي ومن عند الله حصل علم الكتاب.
أما على القراءة الأولى ففي تفسير الآية أقوال :
القول الأول : أن المراد شهادة أهل الكتاب من الذين آمنوا برسول الله - ﷺ - وهم : عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وتميم الداري.
ويروى عن سعيد بن جبير : أنه كان يبطل هذا الوجه ويقول : السورة مكية فلا يجوز أن يراد به ابن سلام وأصحابه، لأنهم آمنوا في المدينة بعد الهجرة.