قال الكلبي : عيرت اليهود رسول الله ﷺ وقالت : ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح. ولو كان نبياً كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء فأنزل الله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا ﴾ الآية. وفيه أن الرسل كانوا من جنس البشر لا من جنس الملك وما كان لهم نقص من قبل الزواج والولاد فقد كان لسليمان ثلثمائة امرأة منكوحة وسبعمائة سرية، ولداود مائة، وذراري يعقوب أكثر من أن تحصى، وكانوا يقترحون الآيات فأجاب الله تعالى عنه بقوله :﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ﴾ ولا بد لكل نبي من معجز واحد والزائد على ذلك بل أصل النبوة وتعيين المعجز الواحد مفوض إلى مشيئته سبحانه ولا حكم لأحد عليه، وكان رسول الله ﷺ يخوفهم بنزول العذاب وظهور نصرة الإسلام وذويه فكانوا يكذبونه ويستبطئون موعده فأجيبوا بقوله :﴿ لكل أجل كتاب ﴾ أي لكل وقت حكم مكتوب وحادث معين لا يتأخر ذلك الحكم والحادث عنه ولا يتقدم عليه. وقيل : هذا على القلب أي لكل مكتوب وقت معين. والتحقيق أنه لا حاجة إلى ارتكاب القلب لأن المعية تقتضي التلازم وكانوا ينكرون النسخ في الشرائع وفي التكاليف فنزل :﴿ يمحو الله ما يشاء ويثبت ﴾ أي يثبته فاستغنى بالصريح عن الكناية. والمحو ذهاب أثر الكتابة ونحوها. وفي الآية قولان : الأول أنها عامة وأنه سبحانه يمحو من الرزق ويزيد فيه كذا القول في الأجل والسعادة والشقاوة والإيمان والكفر وهو مذهب عمر وابن مسعود، وقد رواه جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذاهبون إليه يدعون ويتضرعون إلى الله في أن يجعلهم سعداء إن كانوا أشقياء وهذا لا ينافي قوله :" جف القلم " لأن المحو والإثبات أيضاً من جملة ما قضى به.


الصفحة التالية
Icon