تنبيه : قال أبو حيان : هنا شرطان ؛ لأنّ المعطوف على الشرط شرط، فيقدّر لكل شرط، ما يناسب أن يكون جزاء مرتباً عليه والتقدير : وإمّا نرينك بعض الذي نعدهم، فذلك شافيك من أعدائك، وإمّا نتوفينك قبل حلوله بهم فلا لوم عليك ولا عتب، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك ولما وعد الله تعالى نبيه محمداً ﷺ بأن يريه بعض ما يعده أو يتوفاه قبل ذلك بين تعالى آثار حصول تلك المواعيد وعلاماتها قد ظهرت وقويت بقوله تعالى:
﴿أو لم يروا﴾، أي : كفار مكة ﴿أنّا نأت الأرض﴾، أي : نقصد أرض هؤلاء الكفرة ﴿ننقصها من أطرافها﴾ بما يفتح الله تعالى على المسلمين من ديار الشرك أرضاً بعد أرض حوالي أرضهم، هذا قول ابن عباس وقتادة وجماعة. وقال مجاهد : هو خراب الأرض وقبض أهلها. وعن عكرمة قال : هو قبض الناس. وعن الشعبي مثله، وعطاء وجماعة نقصانها موت العلماء وذهاب الفقهاء، ويؤيد هذا ما رواه عمرو بن العاص أنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :"إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". وقال الحسن : قال عبد الله بن مسعود : عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبضه ذهاب أهله. وقال عليّ : إنما مثل الفقهاء كمثل الأنف إذا قطعت لم تعد. وقال سليمان : لا يزال الناس بخير ما بقي الأوّل حتى يتعلم الآخر، وإذا هلك الأوّل قبل أن يتعلم الآخر هلك الناس. وقيل لسعيد بن جبير : ما علامة هلاك الناس؟ قال : هلاك علمائهم، ثم أثبت تعالى لنفسه أمراً كلياً فقال :﴿والله﴾، أي : الملك الأعلى. ﴿يحكم﴾ في خلقه بما يريد ؛ لأنه ﴿لا معقب﴾، أي : راد ؛ لأنّ التعقيب ردّ الشيء بعد فصله ﴿لحكمه﴾ وقد حكم للإسلام بالإقبال وعلى الكفر بالإدبار، وذلك كائن لا يمكن تغييره.