وهي داخلة في الوفاء بعهد الله وميثاقه، ولكنه يبرزها لأنها الركن الأول لهذا الوفاء، ولأنها مظهر التوجه الخالص الكامل لله، ولأنها الصلة بين العبد والرب، الخالصة له ليس فيها من حركة ولا كلمة لسواه.
﴿ وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ﴾.
وهي داخلة في وصل ما أمر الله به أن يوصل، وفي الوفاء بتكاليف الميثاق. ولكنه يبرزها لأنها الصلة بين عباد الله، التي تجمعهم في الله وهم في نطاق الحياة. والتي تزكي نفس معطيها من البخل، وتزكي نفس آخذها من الغل ؛ وتجعل الحياة في المجتمع المسلم لائقة بالبشر المتعاونين المتضامنين الكرام على الله. والإنفاق سراً وعلانية. السر حيث تصان الكرامة وتطلب المروءة، وتتحرج النفس من الإعلان. والعلانية حيث تطلب الأسوة، وتنفذ الشريعة، ويطاع القانون. ولكل موضعه في الحياة.
﴿ ويدرأون بالحسنة السيئة ﴾..
والمقصود أنهم يقابلون السيئة بالحسنة في التعاملات اليومية لا في دين الله. ولكن التعبير يتجاوز المقدمة إلى النتيجة. فمقابلة السيئة بالحسنة تكسر شرة النفوس، وتوجهها إلى الخير ؛ وتطفئ جذوة الشر، وترد نزغ الشيطان، ومن ثم تدرأ السيئة وتدفعها في النهاية. فعجل النص بهذه النهاية وصدر بها الآية ترغيباً في مقابلة السيئة بالحسنة وطلباً لنتيجتها المرتقبة..
ثم هي إشارة خفية إلى مقابلة السيئة بالحسنة عندما يكون في هذا درء السيئة ودفعها لا إطماعها واستعلاؤها! فأما حين تحتاج السيئة إلى القمع، ويحتاج الشر إلى الدفع، فلا مكان لمقابلتها بالحسنة، لئلا ينتفش الشر ويتجرأ ويستعلي.
ودرء السيئة بالحسنة يكون غالباً في المعاملة الشخصية بين المتماثلين. فأما في دين الله فلا.. إن المستعلي الغاشم لا يجدي معه إلا الدفع الصارم. والمفسدون في الأرض لا يجدي معهم إلا الأخذ الحاسم. والتوجيهات القرآنية متروكة لتدبر المواقف، واستشارة الألباب، والتصرف بما يرجح أنه الخير والصواب.